أعاصير أميركا والأعاصير التي تضربنا كل يوم

هؤلاء أنفسهم لا أدري بماذا سيبررون حادثة سقوط الرافعة في مكة المكرمة التي كانت نتيجة لرياح قوية وأمطار غزيرة، وغيرها من الكوارث الطبيعية التي تضرب بلاد المسلمين، ابتلاء؟ قدر؟ ألن يستفيضوا غضباً إذا جاء شخص من ديانة أخرى يقول إن ذلك غضب من الله؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/26 الساعة 03:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/26 الساعة 03:26 بتوقيت غرينتش

خلف إعصار إيرما الذي ضرب الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً موجة شماتة واسعة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، بسبب ما اعتبروه غضباً من الله وآيةً من آياته في حق هؤلاء الكفار الذين عاثوا في الأرض فساداً وقتلاً، حسب تعبيرهم، ولم يقتصر الأمر على معلقين ومدوّنين في شبكات التواصل الاجتماعي من العامة، بل رأينا شخصيات إعلامية معروفة تتبنَّى نفس الفكرة، مثل الصحفي الشهير في قناة الجزيرة أحمد منصور.

هذه الحادثة لم تكن هي الأولى التي نرى فيها ردة فعل مماثلة، ولن تكون بالتأكيد هي الأخيرة كون العديد منا يرى أن الله تعالى مهما ظللنا نائمين في سباتنا الفكري والعلمي والتنموي، فسيأتي يوم يعصف بهؤلاء "الكفار"؛ لنعود إلى مكانتنا في مقدمة العالم.

فلنفترض جدلاً أن هذه النظرية صحيحة، وأن الغرب سيتعرض لشتّى الكوارث التي ستعيده للحضيض، أتتوقعون أننا بحالنا هذا سنستطيع النهوض لتجاوزهم؟ الإجابة هي لا!

ومهما حاولت أن أبحث عن أسباب تجعلني أغيرها لنعم فلن أجد؛ لأن تلك الدول كنزها الرئيسي فكري قبل أن يكون أي شيء آخر، بمعنى أنهم وإن وجدوا أنفسهم ذات يوم في هذا الحضيض الذي نحن فيه، لن يستمر الأمر سوى سنوات معدودة؛ ليعودوا أقوى مما هم عليه، بل في حالنا هذه، حتى لو ناموا سنوات وسنوات، ستبقى بيننا سنوات وسنوات ضوئية! فبدل أن نشمت في كوارث طبيعية نحن لسنا بمنأى عنها، يجب أن نجلس وننظر للحال الذي أصبحنا نحن عليه، وأن نشاهد كيف يعاملون مواطنيهم في ظل كوارث مماثلة، ثم نتساءل كيف سيكون مصيرنا إذا تعرضنا لربع تلك الكارثة.

ألم يرَ هؤلاء الشامتون كيف تستطيع السلطات هناك التنبؤ بتلك الأعاصير قبل أسابيع من وصولها؟ وكيف تم التعامل معها بشكل يحاولون معه الخروج بأقل الأضرار الإنسانية قبل كل شيء، فيوفرون جميع الوسائل المتاحة لإجلاء الساكنة، وتوفير كل احتياجاتهم ثم تعويضهم عن الأضرار التي تلحق بممتلكاتهم.

بينما نحن نرى الإهمال الذي نتعرض له في حياتنا اليومية في قطاعات الصحة والتعليم والإدارات وغيرها كل يوم، دون كوارث طبيعية!

والغريب في الأمر أن مَن يشمت في مِحَن الغير يلبس عباءة دينية مستشهداً بآيات الله، رب العالمين، الذي بعث رسوله بدين الإسلام رحمة للعالمين أجمعهم.

هؤلاء أنفسهم لا أدري بماذا سيبررون حادثة سقوط الرافعة في مكة المكرمة التي كانت نتيجة لرياح قوية وأمطار غزيرة، وغيرها من الكوارث الطبيعية التي تضرب بلاد المسلمين، ابتلاء؟ قدر؟ ألن يستفيضوا غضباً إذا جاء شخص من ديانة أخرى يقول إن ذلك غضب من الله؟

إن الأعاصير الحقيقية هي مَن تضربنا كل يوم في حياتنا اليومية، هي الظلم الذي يتعرض له المواطنون كل يوم أمام مرأى الجميع، هي التدني الفكري والأخلاقي الذي تجاوز الحضيض بمراحل، هي هضم الحقوق، وكل ما يسير بأمتنا أجيالاً بعد أجيال نحو ظلام لا يبدو أي نور في أفقه.

فكفانا، كفانا انتظاراً للمعجزات فقد ولَّى زمنها منذ زمن بعيد، فبدون النهوض بمجتمعاتنا فكرياً قبل كل شيء، سنظل متفرجين، نستهلك ما يصنعه الغرب "الكافر" الذي نشمت فيه ونحن نستخدم حواسيب، نشاهد تلفازاً هم مَن صنعوه، ولن يحس أحد باختفائنا إن أصابتنا كارثة ما، كما لا يحس أحد بوجودنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد