يحكى عن: عندما رحلت ليلى

استيقظتُ صباحاً، التقيتُ بأحد الأصدقاء الذي كان عازماً على الهجرة فأبدى رغبتهُ لي كي نلتقي قبل رحيله، بعد ذلك اللقاء الغريب، اتجهتُ صوب المنزل، وجدتني أمام منزلٍ ذي طابعٍ غربي جداً، لم أحتملْ فضاضة المنظر؛ لأنني أعشقُ كل تلك التصاميم الموجودة على كل الأبواب هناك، وأعجبني شكلُ المصباح الذي يمتدُ عبر السطحِ نحوَ إحدى الزوايا في الشرفة التي تطل على الحديقة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/22 الساعة 05:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/22 الساعة 05:57 بتوقيت غرينتش

في يومٍ من أيام الله الجميلة، كنتُ عائداً إلى المنزل، بعدَ يومٍ مُتْعب من دوامِ الدراسة والعمل والتنقل عبر أزقة وشوارع البيضاء، لفتَ انتباهي محفظة صغيرة عبرتها الآلاف من أرجل العاملين والموظفين ومرتادي الحانات والمقاهي وبائعي الشرائح الإلكترونية والعاطلين عن العمل، والنساء والأطفال، والذين يملكون بيتاً فارهاً في شاطئٍ بعيد، والذين يملكون فقطْ قنينة ماء.

حملتُ المحفظة بين يدي، فتحتها، فوجدتُ الكثير من الأوراق النقدية، وبطاقة شخصية، وبعض الأوراق الأكيد أنها مهمة، نظرتُ للبطاقة الشخصية ملياً..

الظاهر أن الفتاة اسمها ليلى، وتدرسُ بكلية الطب، ترجلتُ جانباً في ساحة الأمم المتحدة، جلستُ في أحد الكراسي الخشبية، وفكرتُ ملياً فيما عليَّ أن أفعله، فقد كنتُ وقتها مطلعاً بشكل جدي على نظرية الفراشة، وبدأت أحسُ بأن لها فعلاً تأثيراً على حيوات كل مَن قدر لي أن ألتقيهم، وما سأقومُ بهِ بعد أن قدر لي حملُ المحفظة سيكون لهُ تأثير على الفتاة.

لم أفكر إطلاقاً في الذهاب لمركز الشرطة، ولا في بعث المحفظة والأوراق عبر إحدى وكالات السفر أو الأملاك التجارية، فكان لزاماً عليَّ أن أستيقظَ صباحاً وأتّجه لمنزلها في أحد الأحياءِ وأضغط على جرسِ الباب، فأعطي المحفظة للشخصِ الأول الذي يظهر أمامي، وأنصرف.

استيقظتُ صباحاً، التقيتُ بأحد الأصدقاء الذي كان عازماً على الهجرة فأبدى رغبتهُ لي كي نلتقي قبل رحيله، بعد ذلك اللقاء الغريب، اتجهتُ صوب المنزل، وجدتني أمام منزلٍ ذي طابعٍ غربي جداً، لم أحتملْ فضاضة المنظر؛ لأنني أعشقُ كل تلك التصاميم الموجودة على كل الأبواب هناك، وأعجبني شكلُ المصباح الذي يمتدُ عبر السطحِ نحوَ إحدى الزوايا في الشرفة التي تطل على الحديقة.

خرجتْ إحدى النساء من البيت، أعطيتها المحفظة، وقلتُ لها بأنني قد وجدتها في أحد الأماكن بالدار البيضاء، وامتنعتُ عن إرسالها، مخافةَ أن لا تصل، وأتحمل الذنب، فآثرتُ إلا أن أجلبها بنفسي.

المرأة لم تكن لتصدق أن المحفظة ستعود؛ لأنَ بها الأوراق البنكية والأوراق النقدية، فدخلت للبيت كي تخبر ليلى بأن محفظتها حية ترزق، ولم يُنقص منها ورق، وبأن الشخص لم يطلبْ شيئاً ما.

وكما قررتُ سابقاً، أعطيتها المحفظة وهرولتُ بالذهاب دون أن ألتفت، أو أنتظرَ مقابلاً ما، خرجتْ "ليلى" ومعها والدها كي يشكراني على ما قمتُ به، لكنهما وجداني قدْ قطعتُ نصفَ الطريق، ولا يمكنُ لهما أن يرفعا صوتها في ذلك الحي، حتى وإن نادياني لن أسمعهما؛ لأن صوتَ الموسيقى في أذني يمنعُ تسلل أي صوتٍ خارجي.

بعد ذلك، وقفتْ سيارة سوداء أمامي لتمنع عني عبور الشارع الآخر، ولأنني لا أحتملُ الصداع، أو الدخول في مناوشات، ابتعدتُ عنها؛ لأجد الرجلَ يشيرُ لي بيديه، تبادر إلى ذهني أنه يريدُ أن يسألني عن أقربِ محطة بنزين، أو عن أحد بائعي البطاطس، أو يريدُ أن يشتمني؛ لأنني خذشتُ سيارته، لكن الرجل لم يكنْ يظهرْ من تلويحته أنه يريدُ هذا.

بعد هذا اليوم الجميل، رأيت ليلى، وأدركتُ بأن الدنيا ما زالت بخير، وبأن الله اختارَ لي من دون المئات من الناس الذين داسوا بأقدامهم على تلك المحفظة أن أحملها، وأنفثَ عنها الغبار، وأبحث عن ليلى، والتقيها.

بعدَ هذا اللقاء بسنةٍ ونصف متقطعة، تلقيتً صباحاً مكالمة، والكثير من الرسائل، أُخْبَرُ فيها بأن ليلى في العناية المركزة بعدَ أن ساءت أحوالها، وقبلَ أن أصلَ إليها توفيت.

لا أذكرُ بالضبطِ هذه المرحلة من حياتي، سوى أنهُ ساءت أحوالي، وبث أحبسُ نفسي داخل الغرفة وسط الظلام، وبدأت علاماتي الدراسية في التلاشي بعد أن حصدتُ المركز الأول في المدرسة، وشحبت عيناي، وبدأ العياء يقتاتُ من جسمي، وفقدت الكثير من الأمل.

لذلك أنا أمتنع دائماً وأبداً عن عبور أحد الشوارع المؤدية للكلية، أو الصعود في حافلة تعبرُ الشوارع المؤدية لمنزلها، أو الدخولَ للمحل بيع المثلجات قربَ الكلية، أو الجلوسَ في ذلك الكرسي الخشبي في ساحة الأمم المتحدة.

كل نجاح وفرح دونك، غير مكتمل.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد