مذكرات شريد (1)

أنا إنسان، وعمري لا أستطيع أن أحسبه، هل بما مر عليَّ من وقت، أم بما أدركته من معانٍ، أم لا عمر لي

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/20 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/20 الساعة 04:19 بتوقيت غرينتش

قال لي الشريد يوماً: مَن أنت؟ وكم عمرك؟
قلت له: أنا إنسان، وعمري لا أستطيع أن أحسبه، هل بما مر عليَّ من وقت، أم بما أدركته من معانٍ، أم لا عمر لي.

قال الشريد: أيها الإنساني، ما هو الوقت؟ وهل تمر عليه أم يمر عليك؟ وهل تقطعه أنت وهو ثابت، أم أنت ثابت وهو يقطعك ويمر عليك؟!

هل الوقت هو تقلب الليل والنهار، أم الساعات التي تم اختراعها مؤخراً؟!

ماذا تعرف عن الوقت؟ وماذا يعني لك الوقت؟ وهل يأكلك الدهر بالوقت؟ وكيف تكبر في السنين؟ وكيف تتجاوز سنة؟ ويتغير شكلك
من الذي يغيرك.. مرور الوقت أو ثباتك على الأرض؟

متى خلق الوقت؟! وكيف كان العالم قبل الوقت والزمن؟ وكيف يفسرون لنا عمر الأرض بعدد الزمن؟ وما أدراهم بأن الزمن كان منذ القدم، لعله لم يكن إلا من قريب!

كيف كان العالم يعيش؟ وكيف كان يقيس لحظاته؟ وهل كان العالم يَهرَم؟ وهل كان يقدم؟ وهل كان يتجدد؟ أم أن كل ذلك لم يكن لأن الزمن لم يكن؟

وهل ارتباط القديم والحديث والجديد والبالي كله بالزمن فقط؟!

ومتى سينتهي الزمن؟ وما مصير هذا الكون بعد الزمن؟ وهل مصيره هو ما كان قبل الزمن؟!

وعلى مَن يجري الزمن.. على كل مخلوق، أم على مخلوقات دون أخرى؟!

لا شك عندي أن الزمن لا يجري على الخالق؛ لأن الزمن أضعف وأصغر من أن يحيط به، أو يؤثر عليه، أو يحده ويؤطره.

هل يعقل أن يجري الليل والنهار على الرب الخالق المبدع؟
وهل يعقل أن ينتظر الرب الخالق الساعات ويعد الوقت؟
كلا.. ولا شك في أنه كلا!

إذن كيف تفهم الوقت؟
قُل لي..
وكيف يمر عليك وتمر عليه؟ وهل تقطعه أنت أم هو يقطعك؟ وهل نهاية العالم هي نفسها نهاية الزمن؟ وتوقّف الزمن هو يوم القيامة الموعود؟!

وهل الجنة والنار لا زمن فيهما؟ وهل معنى الخلود خلو حاضرك من زمن ووقت يمر عليك
فتبقى أنت أنت؟!

لا تقل لي آلاف السنين بدون تغيير، قلت لك خلا حاضرك عن الزمن والوقت، الحاضر زمن فكيف تقول حاضر؟ إذن لا مهرب من الزمن، فالحاضر زمن أنت فيه الآن، والماضي زمن كنت فيه، والمستقبل زمن ستصير إليه.

فهل تستطيع إذن أن تتخيل نفسك بلا زمن؟ وهل تستطيع أن تتحدث بلغة لا زمن فيها!

أنت أيها الإنسان محكوم في كل شيء، ومحاط بكل شيء، لا سيطرة لك على شيء، ولا تملك شيئاً، تتوهم أنك على شيء، وأنك تقدر على شيء، وفي حقيقتك أنت في رحمة القدر، وبين كفّي الزمن، وفي حضن هذا العالم، لم يكن لك خيار في الوجود والعدم، ولا لك خيار في المستقبل، ولا حتى في الحاضر، وتحسب أن لك خياراً في الماضي، ولكن الماضي كان مستقبلاً قبل ذلك، فإذن لم يكن لك فيه أي خيار، إنما هي إيحاءات تشعر بها، وتحس فيها!

لكن في الحقيقة ما تحسه ليس هو الحقيقة، بل إن الذي تحسه ما هو إلا شعور، شعور ليطمئن داخلك، ولترضي ذاتك، ولكي لا تصاب بالهوس والجنون، فالكون المليء بالغيبيات، واللامدركات، واللامحسوسات، وكثير جداً من اللاءات، كل تلك لم تدركها، ولا قدرة لك أصلاً على فهمها أو تصورها أو إدراكها.

عِشْ على قدرك أيها الإنسان، وفكّر على قدرك، ولا تكن أقلَّ فتجهل، ولا تحاول أن تكون أكبر فتعجز.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد