هل اللغة العربية كاملة غير قابلة للنقد؟

قد يظن البعض أن وضع مآخذ وانتقادات أو حتى إبداء وجهة نظر أو استغراب من بعض الأمور في اللغة هو أمر محرّم وممنوع، أو على الأقل هذا من حق المتخصصين أصحاب الشهادات العليا باللغة حصراً، وليس لأبناء اللغة ومُتكلّميها الحق في إبداء الرأي فيها، بل عليهم الاكتفاء بالتخبط في فهم وحفظ قواعدها شديدة الصعوبة من نحوٍ وصرفٍ وغيرهما.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/15 الساعة 03:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/15 الساعة 03:30 بتوقيت غرينتش

قبل البدء بالموضوع الأساسي، وجب الإشارة والتنويه لمعرفة مفهوم (اللغة)؛ فاللغة ليست مجرد أصوات نسمعها أو كلمات نقرأها، إنما هي مزيج من الرموز والإشارات والأصوات والتعابير التي تنبثق بنسق معيّن بين الجماعات والأفراد لتحقيق التواصل والتفاهم بينهم.

(للّغة تعريفات عدة فحواها يحمل نفس التعريف المذكور).

لا يختلف اثنان على أن اللغة العربية من أبلغ اللغات على وجه الأرض، إن لم تكن الأكثر بلاغة؛ لكن ومنذ دراستي لدروس اللغة العربية في المراحل الابتدائية حتى الثانوية، دائماً ما كان ينتابني الاستغراب في بعض ما يخصها، تارة عند دراسة علومها، وتارة عند دراسة تاريخها، والأكثر استغراباً كان بحثي عما إذا كان هنالك نصوص أو مراجع لها مآخذ على اللغة بشكل أو بآخر، ولكنني لم أجد ذلك بشكل صريح، وهذا ما دعاني للخوض في الكتابة في ذلك.

قد يظن البعض أن وضع مآخذ وانتقادات أو حتى إبداء وجهة نظر أو استغراب من بعض الأمور في اللغة هو أمر محرّم وممنوع، أو على الأقل هذا من حق المتخصصين أصحاب الشهادات العليا باللغة حصراً، وليس لأبناء اللغة ومُتكلّميها الحق في إبداء الرأي فيها، بل عليهم الاكتفاء بالتخبط في فهم وحفظ قواعدها شديدة الصعوبة من نحوٍ وصرفٍ وغيرهما.

المآخذ متعددة الجوانب ويمكن ذكر بعضها بعدة نقاط بشكل مُلخّص:

النحو

أبناء اللغة العربية لم يستطيعوا أن يضعوا علم النحو بشكله الدقيق إلا بانتظار الفارسي سيبويه ليكون هو أبو النُّحاة؛ المشكلة ليست بجنسية سيبويه الفارسية بين فصحاء وأدباء العرب العظماء على مرِّ العصور فحسب، بل في الزمن الذي جاء فيه سيبويه، وهو ولادته بعد نحو 140 عاماً بعد نزول أبلغ كتاب وهو القرآن الكريم، وبعد حقبة الجاهلية قبل الإسلام في فترة الشعر الجاهلي شديد البلاغة.

الكم الهائل من المصطلحات

قد يظن البعض أن وجود مفردات وكلمات كثيرة (أكثر من اثني عشر مليون كلمة) هو دليل على قوة اللغة؛ ربما كان هذا صحيحاً في الجاهلية عندما كانت العرب تتغنّى بالشعر، حيث الضرورة لوجود الكلمات المناسبة لنسج قوافيهم في أشعارهم، فالشعر هو كان شغلهم الشاغل، وعلمهم الذي يتغنون فيه، أما اليوم في عصر العولمة وتطوّر العلوم فالوضع تغيّر.

وبالدخول بموضوع زخم الكلمات وكثرتها، فإنه على سبيل المثال لا الحصر، أذكر وجود أكثر من ثلاثمائة اسم للأسد، ويُشاع على بعض منابر الإنترنت وجود أكثر من ألف وخمسمائة (أشك في صحة ذلك)؛ فمن منّا نحن العرب يعرف كل هذه الكلمات؟! وإن كان يعرفها، فما المغزى والفائدة من معرفتها كلها؛ فإن كان أبناء اللغة لا يحوون ما بلغتهم من كلمات قبل كل شيء، فربما هذا يعني إما أن يكونوا عاقّين لها، أو هي ثقيلة عليهم.


معضلة الهمزة

لا أعرف السبب الحقيقي وراء التفنن في كتابة الهمزة بكل أشكالها المعروفة، والتي تشكل عقدة لأبناء اللغة قبل غيرهم، فحروف مثل (ب،ت،ث وحتى الياء والنون أحياناً) قد تبدو كحرف واحد عند الكتابة في عصر ما قبل تنقيط اللغة دون مشكلة، بينما الهمزة بأشكالها (أ، آ، إ، ئـ، ئ، ؤ، ء) يُعتبر الخطأ في كتابتها جريمة لغوية؛ هذا كله غير الاختلاف على ماهية الهمزة من الأساس إذا ما كانت هي نفسها حرف الألف، أو كحرف مستقل بذاته كما اعتبرها سيبويه وابن سنان الخفاجي وغيرهما.


مسائل في الإعراب

قد يظن البعض أن انتقاد الإِعراب هو تطاول واضح وصريح على اللغة، ولكن ولمّا كان الإِعراب هو وسيلة توضيحية لوصف الكلمة، ولخلق معنى واضح للجملة ككل عند إعراب كلماتها، وجب أن يكون ذلك الوصف مطابقاً لمعنى حقيقي تحويه الكلمة، ومن هنا أرى أن انتقاد بعض الأمور في الإِعراب بديهي، ومن الأمثلة على ذلك:


– وجود نائب فاعل:

فمثلاً، إعراب كلمة المالُ بـ(نائب فاعل) في جملة: (سُرِق المالُ).

هنا الوصف الإعرابي لا يتوافق مع المعنى الحقيقي بتاتاً، فالمال بقي مفعولاً به، أي فُعِل به فِعْلُ السرقة، ولم يقم بسرقة نفسه نيابة عن السارق، والذي هو فاعل مجهول، فلذلك إعراب (المال) بنائب فاعل يُعتبر وصفاً مخالفاً للمعنى؛ أما إذا كان البعض لا يرى ضرورة لذلك التوافق، فأظن أنه لا يوجد ضرورة للإعراب من الأساس حينها.


– الفعل الماضي الناقص (كان):

ليس بأي حال من الأحوال يمكن اعتبار (كان) فعلاً، لا فعلاً كاملاً ولا ناقصاً، هذا من حيث المعنى طبعاً، إنما هو أقرب لكلمة تبدأ في جملة لوصف الحال، وكذلك ربما كان الأجدر بأن يكون إعراب خبر (كان) بـ(حال منصوب) بدلاً من (خبر كان).

وأخيراً يبقى الشيء المؤكد بلاغة اللغة العربية وعراقتها وصعوبة التوغّل في نقدها، مقارنة بغيرها من اللغات، ويجب الإيقان بأن التطوير والتعديل على اللغات حدث في الماضي، مثل عمليتَيِ التنقيط والتشكيل في حروف اللغة العربية، ولا ضير في أن يستمر التطوّر في الحدوث، ما دام يخدم المعنى الحقيقي للّغة الذي تم تعريفه سابقاً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد