“بوجلود” أو “بيلماون” تراث لا مادي يحتضر بسبب الحداثة‎

لعل من أبرز الملاحظات التي يرصدها المتتبع والمهتم بالتراث الثقافي المغربي، حجم التغيير، فبوجلود اليوم ليس هو بوجلود الأمس، وثمة بون شاسع بينهما، خصوصاً من الناحية التنظيمية، فالأمس تكون احتفالات عيد الأضحى محطة تراثية ترفيهية ولوحة جميلة من الفلكور الشعبي ومتنفساً شعبياً، ويعد حينها في غاية البساطة تحكمها العفوية والسرور والبهجة، وكان الكرنفال يمر في جو أخوي جميل تطبعه الفرحة ويشهد له الجميع بالنجاح.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/15 الساعة 07:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/15 الساعة 07:35 بتوقيت غرينتش

"بوجلود"، أو "بيلماون"، كما يطلق عليه أغلب أهالي منطقة إقليم تارودانت، ومهما تعددت التمسية، فالشخصية واحدة، هي عادة من أعرق العادات التي استوطنت الجنوب المغربي، خصوصاً منطقة سوس، وهي ظاهرة احتفالية تبتدئ عشية يوم عيد الأضحى من كل سنة، يتوزع خلالها شباب إلى مجموعات ترتدي الجلود والأقنعة، وتجوب الأزقة والشوارع والأحياء، من أجل زرع الفرحة والمرح بين صفوف الساكنة والزوار.

لعل من أبرز الملاحظات التي يرصدها المتتبع والمهتم بالتراث الثقافي المغربي، حجم التغيير، فبوجلود اليوم ليس هو بوجلود الأمس، وثمة بون شاسع بينهما، خصوصاً من الناحية التنظيمية، فالأمس تكون احتفالات عيد الأضحى محطة تراثية ترفيهية ولوحة جميلة من الفلكور الشعبي ومتنفساً شعبياً، ويعد حينها في غاية البساطة تحكمها العفوية والسرور والبهجة، وكان الكرنفال يمر في جو أخوي جميل تطبعه الفرحة ويشهد له الجميع بالنجاح.

أما اليوم، فهو مقترن بالعشوائية والهزل، احتكره لفيف من اللصوص والمهلوسين والعصابات التي تتنكر بجلود الأضاحي دون حصول على شارة "بادج" لا يحمل توقيع أي إطار قانوني، لابتزاز فرحة الأبرياء والإجهاز على أيام السرور وتحويلها إلى جحيم لا يطاق، بزرع الرعب في صفوف الساكنة، ومطاردتهم في الشوارع العامة، وابتزازهم بالعنف تراثاً، ويضيف مهتمون بهذا الشأن، أن متقمص شخصية "بوجلود"، اليوم، لا بد قبل أن يرتدي الجلود يحتسي الخمر ويتناول أصنافاً مختلفة من المخدرات، وهو الشيء الذي كان مرفوضاً؛ لأن من يقارع الخمر سيبتز المواطنين خاصة النساء، وسيسرق ويسب ويشتم ويهاجم المارة بهمجية، ناهيك عن تأثر شخصية بوجلود بالمدينة والحداثة، ففقد على أثرها عدداً كبيراً من مقوماته وصفاته، فالاحترام الذي كان يكنه له المجتمع، وتظهر بين الفينة والأخرى شجارات ونزاعات بين شباب يرتدون الجلود، فأصبح السير بوجه مكشوف أمراً عادياً وهو ما يتعارض والمتعارف عليه لتراث عمر لأزيد من 14 قرناً.

احتفالية "بيلماون" أو "بوجلود" من بين الطقوس الاحتفالية التراثية التي كاد أن يطويها النسيان، لولا يقظة المجتمع المدني الذي حرص على إحياء هذه الاحتفالية بتزامن مع مناسبة عيد الأضحى، والمراد من هذه السطور ليس إقبار أو الإجهاز على هذا التراث الإنساني اللامادي، التي من واجبنا الاحتفاظ به؛ لما يحمله من موروث ثقافي ولا يشكل "بوجلود"، أو "بيلماون" إلا جزءاً يسيراً منه، ولكن العيب في أخلاق وتصرفات المجسدين للمهرجانات والحفلات والكرنفالات؛ إذ بتصرفاتهم السيئة الناتجة عن سوء التنظيم والتسيير، نفقد كل شيء معناه الحقيقي؛ لتصبح النتائج عكس ما ينتظره المواطن، وفي جميع المجالات.

يبدو جلياً أنه من الواجب على السلطة المحلية أن تتابع وتضرب بيد من حديد على كل مَن يتطاول على هذا التراث الإنساني الرامز للتسامح، والذي يتجاوز 14 قرناً، فأصبح لزاماً التصدي لهذا التهريج الذي ينهب ويسرق ويقتل ويجرح، جاثماً على أنفاس العباد، وفي غياب الأمن لوقف هذه المهزلة، ستستمر المآسي باسم التراث.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد