أيها المنتظِر.. قُم

هل هناك أمر مخالف لقوانين الطبيعة ولنواميس الفطرة، أكثر من التوقف عند لحظة ما، بينما الشمس تشرق وتغرب، والأرض سابحة في فلكها تمر مرّ السحاب، والقلب ينبض نبض تكّات الساعة الهامسة: "قد أوشك الرحيل فقُم"؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/15 الساعة 07:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/15 الساعة 07:22 بتوقيت غرينتش

هل هناك أسوأ من هذا الانتظار الذي يسرق أيامنا، وينهب أعمارنا، ويئد أحلامنا، ويسجننا في زنزانة مظلمة نستجدي من ظلمتها بقعة ضوء نظنّها آتية؟

هل هناك أسوأ من انتظار ما نخاله سوف يكون، حين تغدو رؤوس سين التسويف خناجرَ تطعن قلوبنا؛ لتقتل أمانينا المؤجلة، أو مسامير نُصلب بها على أخشاب العمر القصير المهترئة؟

هل هناك أمر مخالف لقوانين الطبيعة ولنواميس الفطرة، أكثر من التوقف عند لحظة ما، بينما الشمس تشرق وتغرب، والأرض سابحة في فلكها تمر مرّ السحاب، والقلب ينبض نبض تكّات الساعة الهامسة: "قد أوشك الرحيل فقُم"؟

ألا فانظر إلى تقلّب الليل والنهار، واسألهما لمَ لا يكسل أحدهما عن تعقّب صاحبه؟

وانظر إلى الطفل الذي شهدتَ مولده، واليوم تراه راكضاً نحو مدرسته، ما باله لم يقنع بدفء الرحم يصله قوته بلا تعب منه أو نصب؟ وما الذي أخرجه من حضن أمه؟ وما الذي حببه في اعتلاء سلم الحياة؟

وارفع بصرك نحو أسراب الطيور المحلقة، واسألها لمَ غادرت أعشاشها الدافئة؟

واسأل الفراش المبعوث من شرانقه، ألست أكثر أماناً في شرنقتك، بعيداً عن خطر الطبيعة وشره المفترس وعبث الصبيان؟

وانظر إلى النهر الهادر الذي يحمل كل شيء في طريقه، واطلب منه التوقف هنيهة من زمن ليسمع تفجعك وتأوهك وأنين خمولك، هل يستجيب؟!

ثم انظر إلى مرآتك، وتأمل نذير الشيب على شعر صباك، ورسم التجاعيد على بشرتك التي طالما تأملت نضارتها، ثم اسأل نفسك ما الحياة؟

وما الذي أقعدك عن حركتها الدائبة؟

ولمَ اخترت أن تحفر قبرك وتنام فيه منتظراً من يحثو التراب عليك؟

أتنتظر أن تتحقق أحلامك ورؤاك الكاذبة؟ صدق الأولون: "إن من الوقاحة تمنيك مع توانيك!".

لن يحدث شيء.. ستتعفن.. وستسقط في شباك عناكب اليأس.. ولسوف تمتص نخاع حياتك ولبّ روحك.. ثم تلقي بجثتك النخرة لديدان الانتظار الرهيب!

لن أنصحك، ولن أشير عليك برأي، لن أصيح في وجهك: أَنْ قُم وانفض غبار الموت عنك، لن أطلب منك اقتلاع شوك التمنّي الكاذب من قدميك الحافيتين، ولن أهديك ترياق القرار الصائب، ولن أريك كيف تشعل سراج روحك ليُنير لك طريق الحق اللاحب الذي إن سرت فيه وصلت.

لن أفعل؛ لأنني أعلم أن ما بك لا يداويه إلا أنت، فما حكّ جلدك مثل ظفرك، ولا حمل اللقمة إلى فيك مثل يدك، ففيك المريض والطبيب، وفيك الداء والدواء، وفيك العلّة والشفاء!

ولا يحتاج الأمر أكثر من عزيمة منك، وتوكّل على مَن بيده الأمر، فانهض يا رعاك الله و(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ).

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد