شجار الأطفال معركة لا مفر منها

تشبه قصة ابنتيها قصتي مع أختي التي تصغرني بثلاثة أعوام، وهي الآن أم لثلاثة أطفال، فقد أخبرتني منذ أعوام قليلة أنها لم تنس عراكنا في الصغر، وأنها لا تزال تتألم من أنني في إحدى معاركنا أوقعتها أرضا ووضعتُ ترابا في فمها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/13 الساعة 06:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/13 الساعة 06:03 بتوقيت غرينتش

الأضعف سيكون الأشرس، لأن المعركة في نظره معركة فرض كينونة ووجود في'غابة' الجميع فيها متساوون، ولا أحد يملك حق التفاضل أو التميّز.

إذا كان أبناؤك يتشاجرون بكثرة فلا داعي للقلق، فهذا صراع تكوين الشخصية ورسم حدودها، فدعهم يفعلون.

تعاني صديقتي من عراك ابنتيها المراهقتين على مدار الساعة، دون تعب، دون ملل، ودون سبب في الغالب أيضا. تتعاركان على الباب والتلفزيون والحمام والكلام والضحك والتنفس، وقد يصل العراك إلى حد شد الشعر وتبادل بعض اللكمات أو الخدش بالأظافر.

"الوضع مؤلم" تقول صديقتي، وهي تكاد تبكي، فلا شيء على الإطلاق استطاع أن يضع حدا لهذه المشكلة، والأمل الوحيد المتبقي لها الآن هو أن تكوّن هرمونات المراهقة هو من يقف خلف هذا الشجار المستمر، لذلك تصمت وتنتظر.

تشبه قصة ابنتيها قصتي مع أختي التي تصغرني بثلاثة أعوام، وهي الآن أم لثلاثة أطفال، فقد أخبرتني منذ أعوام قليلة أنها لم تنس عراكنا في الصغر، وأنها لا تزال تتألم من أنني في إحدى معاركنا أوقعتها أرضا ووضعتُ ترابا في فمها.

شخصيا لا أذكر بالطبع، فنحن نفضل تذكّر الخسارات، لكنني أتذكر جيدا أنني كنت أميل منها إلى السمنة، وأقل شقاوة وقدرة على الحركة وكان أشد ما يقلقني ويهز مضجعي أن تغلبني فيسخر مني الباقون.

الآن، وبعد أن أصبحت أمّا، أرى المشاهد نفسها تتكرر في بيتي وفي بيوت أصدقائي.

يبدأ الأطفال في سن معينة بتكوين شخصياتهم والتعبير عن آرائهم بشكل مباشر وأحيانا بطريقة مبالغ فيها لأنهم يشعرون بخطر ما يهدد تكوينهم. قد يكون الخطر قادما من أخ أكبر أو أصغر وقد يكون من أحد الأبوين أو من كليهما.

يتشاجر الأطفال لأن كل واحد منهم يريد التمسك برأيه أو فرضه أو تغليب مصلحته أو جلب الاهتمام إليه وأحيانا لمجرد إزعاج بعضهم، ولا يجب أن نقلق من شجارهم، رغم أنه شجار مرهق ومستنزف لكل العائلة.

عن نفسي أحاول ألا أرى ما يحدث، أترك الطفلين يتشاجران وأدعي أنني لا أسمع. فقط وضعت شعارا واحدا للمعركة هو "لا للألم".

أقول لهما "الألم مرفوض"، لأنه يسبب ألما أكبر هو الألم النفسي الذي قد يرافقنا لأعوام، وأروي لهما قصتي مع أختي التي نسيت كل ما فعلته بي ولم تنس أبدا ما فعلته بها. أروي لهما أيضا مسيرة الإنسان التاريخية لمقاومة الألم، وكيف أن الطب يدور حول فكرة واحدة هي فكرة مقاومة الألم، وليس مقاومة الموت.

الأضعف سيكون الأشرس، لأن المعركة في نظره معركة فرض كينونة ووجود في "غابة" الجميع فيها متساوون، ولا أحد يملك حق التفاضل أو التميّز، رغم أن فارق السن أو الجنس قد يمنح الأطفال في بعض العائلات شيئا من الخصوصية والتميّز.

معركة الأطفال معركة كاذبة، ودماؤها ليست حقيقة كما يبدو لنا، وهي لا تؤلم ولا تخلد إلا في ظل وجود عوامل أخرى تدعمها وترسخ فكرة الألم لدى أحد الأطراف، وعندما يطغى أحد الأطفال على إخوته أو يصبح إيذاءه لهم هدفا مستديما، فهذا يعني أن ضغطا وقهرا يمارسان على هذا الطفل يجعلانه ينقل عدوانية إلى من هم أضعف منه، أو أن رسالة تربوية خاطئة تصله على نحو ما مفادها "أنت رجل أو أنت أكبر سنا، فافعل ما يحلو لك".

لكن المعركة التي تأتي لدواعي فرض الكينونة وبناء الشخصية ورسم الحدود هي معركة صحية ولا أضرار كبيرة تنتج عنها، بالأخص إذا تم تقنينها ببعض الشروط التي يجب أن يتفق عليها الجميع، مثلها مثل أي مبارزة شريفة تحدث بين فارسين، وأول هذه الشروط: لا للألم ولا لإلحاق ضرر بالأمتعة والأشياء التي تخصنا.

بعد مبارزات عدة، سيكتشف الأطفال على الأرجح أن ما يكوّن الشخصية ويمنحها بعدا حقيقيا وفي الوقت نفسه عمقا وامتلاء، هو التحاور والتواصل، وهو الاستنتاج الذي لا يصلون إليه إلا بعد أن تنتهي المعركة ويخفت غبارها الذي يحجب الرؤية.

– تم نشر هذه التدوينة في موقع العرب

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد