هل تخلَّى عنا الله؟

جيل اليوم، شباب مثقفون، وأغلبهم لم تعد تحملهم مجرد العواطف في اتباع الدين، وذلك ربما يرجع إلى تخصصاتهم، فالمناهج العلمية الحديثة اليوم في شتى التخصصات، يمثل العقل فيها قسطاً كبيراً؛ لذلك نجد كثيراً من الخرافات والأفكار الشاذة كانت سائدة بين عموم المسلمين في فترات الضعف والهوان

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/12 الساعة 05:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/12 الساعة 05:08 بتوقيت غرينتش

هل نحن بحاجة إلى تدعيم معرفتنا الدينية، أم أننا في حاجة إلى إعادة صياغة فهمنا لتلك المعارف التي تلقيناها ونحن صغار؟ سواء من محيطنا، أو من آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا، بل وحتى تلك المعارف المشوهة التي لُقِّنت لنا عن الدين في المدارس، حقيقة يصعب الجزم في الإجابة على هذين السؤالين، باعتباري مهتماً بما ينشره كل المدونين الشباب على هذه المنصة أو غيرها، فإنني أرى أننا في حاجة إلى كليهما معاً، بمعنى أن معرفتنا بالدين جدّ هزيلة، وحتى تلك المعرفة فهي مشوهة غير مستقيمة.

لا أنكر أنه يوجد الكثير من الشباب يقدمون تدوينات راقية، سواء كانت خواطر أو انطباعات على بعض السور القرآنية، التي توحي لهم بها قرائحهم السيالة، بعد انتهائهم من تلاوة القرآن، أو بعد استماعهم لدرس علمي من شيخ، أو خطبة، أو موعظة، من داعية متمكن، كذلك لا أنكر أن بعضهم يقدمون انتقاداً موضوعياً لبعض السلوكيات أو بعض الخرافات التي أصبحت تتحكم في جزء كبير من أبناء هذه الأمة دون وعي منهم.

في الحقيقة جيل اليوم، شباب مثقفون، وأغلبهم لم تعد تحملهم مجرد العواطف في اتباع الدين، وذلك ربما يرجع إلى تخصصاتهم، فالمناهج العلمية الحديثة اليوم في شتى التخصصات، يمثل العقل فيها قسطاً كبيراً؛ لذلك نجد كثيراً من الخرافات والأفكار الشاذة كانت سائدة بين عموم المسلمين في فترات الضعف والهوان، لكن الكثير منها لم يعد ينطلي على شباب اليوم حتى وإن تم الترويج لها من قِبَل بعض العلماء المضللين، الذين ينتسبون إلى الإسلام زوراً.

لكن رغم ذلك هناك حقيقة مرة، لا بد أن نحيط علماً بها، مهما تعمقت معرفتنا بالعلوم العصرية، سواء في الجانب العقلي منها أو الجانب التجريبي، لا يغني ذلك في فهم الدين عن الرجوع للعلوم الإسلامية الأصيلة، لست متحجراً ولا أدعو للجمود والوقوف على الأطلال، كما يعتقد البعض، وكذلك لا أتكلم عن مجرد هوس عاطفي أو تأثر فكري، إنما أتحدث انطلاقاً من تجربتي البسيطة، وثقافتي التي اكتسبتها من خلال المواظبة على القراءة لسنوات، خاصة في الجانب الشرعي.

هي إذاً حقيقة، مع ظهور العلوم العصرية بشقيها الفكرية، المتمثلة في المذاهب الفلسفية الجديدة، التي كانت ممهدة أو ربما مؤسسة، في اعتقادي لظهور المناهج العلمية التجريبية، حقيقة هذه لا يمكن تجاهلها أو الاستغناء عنها، لكن كذلك لا يمكن اعتمادها وجعلها هي الأساس، بل لا بد من الرجوع للعلوم الإسلامية الأصيلة ودراسة التراث دراسة وافية شافية، والإحاطة بكل العلوم الإسلامية، إذا ما أردنا فهم الدين فهماً سليماً، وإلا حِيل بيننا وبين الفهم السليم له، وقتها سيزين الشيطان أعمالنا ويصدنا عن السبيل، ولن نعرف للهداية مسلكاً.

لا شكَّ أن مدونات الجزيرة تتيح الفرصة لكل الآراء الإبداعية، وخاصة الشابة منها، وربما تشجع أكثر تلك المقالات النقدية التي تصدر عن الشباب، ربما لأنها تبين مدى حس الوعي عند الشباب، بغض النظر عن موافقتها أو عدم موافقتها لتلك الآراء، ربما في هذا الصدد سمح بنشر تدوينة خلع الحجاب، أنا في هذه التدوينة لست بصدد الرد عليها، وإن كنت أستغرب منها الكثير من الآراء، لعدم الفهم السليم منها لبعض النصوص التي تستشهد بها، قضيت عمري في دراسة الشريعة، ودراسة العلوم الشرعية جميعها، وقرأت الكثير من تدوينات الشباب المنتقدة والمؤيدة، لكنها في الغالب يكون مبعثها قلة الدراية وعدم الفهم، وليس كما الأخت التي أقولها بكل أسف: عندها سوء الفهم لبعض النصوص الشرعية.

لكن الذي صدمني أكثر ليس التدوينتين، فالناس مذاهب ومشارب، ولكل فهمه واقتناعاته، لكن ما هالني أكثر هو حجم تلك الردود العاطفية في التعليقات، والتي بكل أسف تنم عن جهل بالشريعة، نعم أقول هذا رغم سلوكياتنا التي يطغى عليها صبغة التدين، لكننا نهتز عند أول مطب فكري يواجهنا في الحياة؛ لذلك نجد حجم هذا الانجرار الهائل، نحو الثقافة الغربية، وللأسف في شقها السلبي، لو كانت معرفتنا بالدين قوية لحمتنا من الانجرار نحو هذا التيار، لكن للأسف تديننا تدين صوري، فارغ من الروح، فأصبح شكله شبيهاً بجسد متلوح بعدما فارقته الروح.

تحضرني الآن صورة شيخ هرم، كان في أحد الأفلام الوثائقية، يحكي عن تجربته في الحرب الأهلية الإسبانية التي شارك فيها، في معرض حديثه أتى على ذكر آية من القرآن كان لا يحفظ الآية، لكنه كان يعي مضمونها جيداً، استغربت لتلك الصورة وظلت راسخة في ذهني، كيف به يعرف معنى الآية ولا يحفظها، وشباب اليوم ربما تجد الكثير منهم يردد على مسامعك الكثير من الآيات، لكنهم لا يفقهون شيئاً من معناها.

بقي أن أذكر إخواني القراء بأني عندما تحدثت عن العلوم الشرعية الأصيلة، فأقصد تلك العلوم التي لها ارتباط مباشر بالوحي، وبالدرجة الأولى القرآن، فكل العلوم التي لها ارتباط مباشر بالقرآن يجب على كل الشباب الذين لهم حب لهذا الدين على أن يسعوا لتعلم ولو حظّ بسيط منها، ويحاولوا الرجوع لكتب القدماء، فهي رغم صعوبتها فإنها تدرب الطالب على كيفية التعامل مع نصوص الوحي، وبعد احتكاكه بها سيجد نفسه بدأ يمتلك قدرة على فهم النصوص فهماً سليماً، ومغايراً لما كان يعتقد، أو سيفهم من تلك الآيات التي يحفظها خلاف ما كان يبدو له أول الأمر.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد