عندما يتحول تناول الطعام “الصحي” إلى هوس غير صحي

أصابني الهوس، وأصبت بالهوس من تعقب كل كِسرة طعام تدخل إلى فمي، متفادياً تناول ما يُسمى بالمنتجات الغذائي "السامة" و"الضارة"، كما أصابني هوس تناول الطعام النظيف.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/12 الساعة 07:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/12 الساعة 07:30 بتوقيت غرينتش

نظراً لزيادة للقيود التي أحاطت بنظامَي الغذائي أكثر وأكثر، تضاءل جسدي وكذا عالمي.

في عشية عيد الميلاد منذ قرابة 10 سنوات، غادرت المستشفى متعهداً بألا أسمح لنفسي بأن أُصبح نحيفاً إلى هذا الحد المؤلم مرة أخرى.

وبعد مُضي أكثر من شهر على إطعامي عن طريق أنبوب والانتقال عن طريق كرسي متحرك، أقنعت نفسي بأن هذه التجربة ستخيفني وتبعدني عن فقدان الشهية والأكل بشكل غير منتظم، فيا له من تفكير خاطئ.

وبعد مرور خمس سنوات، عانيت مُجدداً من سوء التغذية إلى حد كبير، تلك القوقعة البائسة لشخص ما والتي تقول بأن الأكل بشكل غير منتظم يتسبب في الحالة التي يُصبح عليها الشخص.

ووصل مؤشر كتلة الجسم إلى 15 فقط، وأصبحت محاصراً بسلوكياتي التقييدية والطقوسية الخاصة. لكن هذه المرة، أصبحت مُصراً على أن ما أقوم به يعتبر صحياً.

كنت أتناول الجرعة اليومية الموصى بها من الفاكهة والخضراوات، وأتناول كمية أكثر من كافية من البروتين، كما أتناول الكمية المُستهدفة من الكالسيوم.

ومع ذلك، أصابني الهوس، وأصبت بالهوس من تعقب كل كِسرة طعام تدخل إلى فمي، متفادياً تناول ما يُسمى بالمنتجات الغذائي "السامة" و"الضارة"، كما أصابني هوس تناول الطعام النظيف.

وتروج توجيهات وسائل الإعلام والحكومة دائماً للحاجة إلى اتباع نظام غذائي صحي في تناول الطعام وخوض أسلوب حياة مليء بالنشاط، ولكن ما الذي يعنيه ذلك بالفعل؟ أصبحت خائفاً من الأطعمة اليومية التقليدية؛ تلك الأطعمة الغنية بمادة الغلوتين والألبان، ومنتجات الصويا وأي شيء يحتوي على السكر.

ومن المقبول من الناحية الاجتماعية الحد من تناول مجموعات غذائية بعينها تحت شعار الصحة، لكننا بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا عما إذا كان ذلك ضرورياً أم لا.

أصبح نظامي الغذائي مُقيداً أكثر وأكثر، وبهذا، تضاءل حجم عالمي، وأصبحت أتجنب التواجد في الأماكن الاجتماعية التي تتضمن تناول الطعام. وأركز على الطعام الذي سأتناوله على العشاء. ويتضمن تناول الطعام في المطاعم التحقق من قائمة الطعام وببساطة لا يمكنني الاستمتاع بنفسي. شعرت بعدها بالانعزال التام وأصبحت محاصراً بمعتقداتي الحذرة – بأن تناول أحد الأطعمة غير "النظيفة" يمكن أن يؤذي جسمي بشكل كبير. وتتمثل السخرية في ذلك في أنني بالفعل أتعرض للضرر، ولم أتمكن من السيطرة على عقلي.

وفي الوقت الحاضر، أصبح من الشائع تناول الطعام بنظام معين، عن طريق اتباع "نمط حياة غذائية" مثل حمية العصر الحجري paleo أو الحمية النباتية أو اتباع نظامٍ غذائيٍ عضويٍ فقط. ومن الظاهر، يبدو هذا خالياً من الأضرار، إلا أنه يتحتم علينا أن نسأل أنفسنا عن ماهية نوايانا الداخلية، ماذا سيحدث إذا تناولنا شيئاً لا يتناسب مع نمط حياتنا؟ وهل يتسبب تناول أنواع الأطعمة الأخرى في حالة من الضيق أو القلق؟ وهل يحدد ذلك قيمتنا الذاتية؟

لا يعتبر هذا صحياً على الإطلاق، كما أن هذا السلوك يمكن أن يؤدي قطعاً إلى تناول الطعام بشكل غير منتظم. ويًسمى ذلك بهوس تناول الأطعمة الصحية، وهذه هي النقطة التي يركز أحدهم على أنها مفهوم "تناول الغذاء النظيف". لا يوجد ما هو نظيف في الاستيقاظ ليلاً والتفكير في تناول قطعة من الكعك في حفل عيد ميلاد أعز أصدقائك.

إن الهوس بهذا المفهوم الوهمي المتعلق "بتناول الأطعمة النظيفة" بالإضافة إلى هوس تناول الأطعمة الصحية يمكن بالفعل أن يحلقا أسفل الرادار.

ومن المقبول من الناحية الاجتماعية الحد من تناول مجموعات غذائية بعينها تحت شعار الصحة، إلا أننا بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا عما إذا كان ذلك ضرورياً أم لا.

لقد نسيت تماماً ما يعنيه أن يكون لديك أسلوب حياتي متوازن. وأصبح الطعام بؤرة الاهتمام في حياتي. وكان يمثل أولى أولوياتي ونسيت شعوري عند الخروج مع الأصدقاء والاستمتاع بنفسي وحسب.

ويعتبر التراجع خطوة إلى الوراء من أكثر المشاعر المتحررة وإيقاف سيطرة الطعام على حياتك.

ويظهر الأشخاص الذين يعانون اضطراباً في تناول الطعام على أنهم يسيطرون تماماً على نوعية الأطعمة التي يتناولونها، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فالطعام هو الذي يتحكم بهم، وسيطر عليّ من قبل.

وفي محاولة للاستمتاع بصحة جيدة، خططت للقيام بخلاف ذلك تماماً. كنت أقلّ من الوزن وبائساً وأواجه حالياً مجموعة كاملة من الظروف الصحية: العلامات المبكرة لهشاشة العظام، ومرض التهاب الأمعاء، والتهاب القولون التقرحي والانخفاض الكبير في عدد خلايا الدم البيضاء.

بالطبع، يعتبر اتباع نظام غذائي صحي في تناول الطعام من الأمور الهامة، ولكن يتعلق كونك صحياً بالاعتدال في كل شيء. ويتعلق ذلك بالاستمتاع بالتجربة والإنصات إلى ما حاجات الجسم ورغباته في أي وقت. ويمكن لذلك أن يتمثل في السلطة، وربما في شريحة من اللحم، أو ربما أيضاً في قطعة من البرجر وشرائح البطاطس. وتتمثل أفكاري الجديدة في تناول كل الأطعمة والاستمتاع بالتجارب الاجتماعية التي لا غنى عنها والذي يقدمه نظام غذائي ونمط حياة يتمتعان بالمرونة!

– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة الكندية لـ"هاف بوست"، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد