لماذا نرضى بالقليل؟!
أتابع منذ فترة إحدى مجموعات الفيسبوك التي تضم عدداً من الأشخاص الباحثين عن فرص العمل. فاجأتني الكثير من المنشورات التي تعكس ضعف العزيمة وقلة الإرادة لدى أصحابها.
فقد كتبت إحداهن على سبيل المزاح: "أريد عملاً براتب كذا وكذا" (وهي تظن في قرارة نفسها أنها تطلب الكثير؛ مع أن الرقم الذي ذكرته يعدُّ رقماً عادياً مقارنة مع الدخل الطبيعي لكثير من الأفراد من البلد نفسه). ويقول آخر: "عمري 24 وأنا بصحة تامة، وأريد أن أعمل أي عمل مهما كان نوعه، أنا عاطل عن العمل منذ أكثر من سنتين".
أين هويتنا الفردية؟! ومَن وضع هذه الحدود الهزلية لسقف أحلامنا؟!
قد يكون توفير فرص العمل مسؤولية الحكومات وبعض المؤسسات المجتمعية. ولكن قبل أن نبدأ بمحاكمة هذه الجهات، هل أخلينا مسؤوليتنا تجاه أنفسنا؟ هل السبب عزيمتنا المهترئة؟
فكّر.. ألا تستطيع -إن اجتهدت وتعلمت- أن تصل إلى راتب الأحلام الذي ترغب فيه؟ ألم يهبنا الله عقولاً فطنة تستطيع تعلُّم الجديد مع بعض الجهد والتصميم؟
هنالك سؤال يطرح نفسه على ذاك الشاب الذي نشر ما ذكرته آنفاً؛ ماذا لو قضيت هاتين السنتين في محاولة تعلُّم كتابة الكود بلغة برمجة معينة مثلاً؟ أو عملت على تحسين لغتك الإنكليزية في هذه الفترة؟ أو امتهنت حرفة تهواها؟ ألن يصنع ذلك فرقاً كبيراً؟
لذلك، يجب أن نعترف بأن الجزء الأكبر من مسؤولية "عاطلون عن العمل" يقع على عاتقنا حتماً.
حتى وإن كنت خريجاً جامعياً وتمتلك شهادة عليا، حفل التخرج كفيل بفتح عينيك على الحقيقة، فقط تذكّر عدد الطلاب الهائل الذي تخرج معك، واسأل نفسك: ماذا يميِّزني عنهم؟
انظر إلى الأمر وكأن الحياة عبارة عن دائرة واسعة بحلقات متعددة، والأفراد عبارة عن نقاط متناثرة هنا وهناك، والتميّز يقع في منتصف هذه الدائرة، بحيث كلما ابتعدت عن المركز قلّ تميُّزك وتفرُّدك.
سترى الناس نقاطاً متناثرة هنا وهناك على الدائرة، من الأطراف وحتى المنتصف. ما ستلاحظه هو كثافة النقاط حول الأطراف، سترى أن عامة الناس متجمّعة بعيداً عن المركز (التميز)، بينما القلة القليلة قد شقّت طريقها نحو المركز.
فلو كنت غير أُمّيٍّ فستبتعد عن الحافّة مثلاً قدراً معيناً، ولو تعلمت لغتين بدلاً من واحدة فستقترب من المركز، ولو اكتسبت مهارة التصميم الغرافيكي فستدنو أكثر فأكثر.. إلخ، فكلما أضفت مهارة إلى قائمة مهاراتك، ازدادت فرصتك للتألق والنجاح.
فلماذا لا تكون في المركز أو تحاول حتى أن تدنو منه؟
مثال توضيحي: تقول إحدى الإحصائيات العالمية إن 40% من سكان العالم يتحدثون لغة واحدة، بينما يتحدث 13% ثلاث لغات و3% فحسب يتحدثون عدة لغات. وهكذا، إن تميزت أكثر ازدادت مهاراتك وارتفعت قيمتك في سوق العمل.
والأفضل من ذلك، هو أنه في حال استطعت الوصول إلى التميز الفردي فقد تتمكن من إنشاء مشروعك الخاص، الذي من شأنه أن يوفر العديد من فرص العمل لطالبيها، وهكذا، ستضرب عصفورين بحجر واحد!
منحنا الله قدرات مذهلة، فالأحرى بنا عدم تضييعها والاستفادة منها قدر المستطاع. وإياك -أيها الباحث عن العمل- والظن أنك أقل شأناً من غيرك أو أن مستوى ذكائك متدنٍّ عن باقي البشر.
اعلم أن لديك من النعم ما لدى أي أحد آخر على هذا الكوكب، حتى وإن اتخذت هذه النعم شكلاً مختلفاً أو هيئة أخرى.
يجب علينا خرق جدار الضعف والتطلع إلى الأفضل دائماً، وعدم إعاقة الإبداع والطموح إلى العلا. ففي حال تمتُّعنا بعقلية منفتحة وإرادة لا تقهر فسنتمكن من صنع الفرص لا انتظار حدوثها لنا أو وصولها إلى عتبة منازلنا.
ويبقى السؤال: من أين -يا تُرى- ورثنا هذا الوهن؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.