المثقف المُهذب: هو ذاك الذي لا تشعر وأنت في حضرتهُ بالتوتر وعدم الراحة؛ لأنه ربما يطرح عليك سؤالاً، ويفتح نقاشاً لموضوع أنت تجهل الكثير عنهُ ومنهُ، والبعض للأسف يتعمد فعل ذلك على الرغم من معرفتهُ أن سؤاله الذي يوجّهه إلى الطرف الآخر يسبب لهُ الإحراج أو الخجل، خصوصاً في حضرة أشخاص آخرين.
سأطرح اليوم خمس نقاط نعرف من خلالها من هو المثقف المُهذب:
الأخطاء الإملائية والتصحيح اللغوي:
يتخذ البعض هذهِ العادة بشكل يجعل المقابل ينفر من الحديث معهم، فإن أخطأت بنقطة يصححون لك، وإن لمست أصابعك شاشة الهاتف وقفز حرف خطأ وسط الكلمة ينبهونك ويلاحقونك أينما ذهبت حتى يخرجوا لك الخطأ اللغوي والإملائي فيما كتبت.
أيها الأعزاء.. الحوار بينك وبين شخص لا يستدعي أن تتخذ دور معلم الصرف والنحو، فقط اجعل الحديث طيباً، وإن أزعجك الأمر كثيراً يكفي تنبيه المقابل بأنه يواجه الكثير من الأخطاء، وعليه الانتباه لما يكتب، وهكذا ستكون ملاحظتك في موضعها المناسب، ويأخذ بها الشخص، ولا يكرر ذلك.
عناوين الكتب وأسماء الكُتاب:
في لقاءاتنا مع الأصدقاء الذين لديهم اهتمام عميق وممتاز في القراءة والحفظ تحديداً، لأن مسألة تذكر بعض العناوين والأسماء بحاجة لذاكرة قوية؛ لكي تستطيع تكرارها في كل وقت.
في هذهِ اللقاءات لا داعي لأن تمطر الآخرين بأسماء كُتاب وعناوين لكُتب يصعب على الآخر حتى أن يحفظها، أو تطرح السؤال الأعظم أتعرف فلان؟
هذا يعتبر مرجعاً للأدب الروسي وفيلسوف زمانه، ستجد صديقك المسكين يجيب بالموافقة وهو أساساً حتى لم يسمع باسم ذاك الفيلسوف من قبل، لكن لا يرغب أن يكون في موقف محرج أمامك.
وهناك الكثير ممن يتعمد أن يتداول أسماء يصعب فهمها وتفسيرها، أو حتى تذكرها من قِبَل الآخرين ليبدو في عينهم هو شيخ المثقفين!
لا أتقبل آراءكم أنتم على خطأ:
كم نسمع ونقرأ عن تقبل الرأي، والرأي الآخر،
والاختلاف لا يفسد في الود قضية، والاختلاف لا يعني الخِلاف، ولكن جميعها تُنسى عندما يبدأ شخص مثقف متعصب لرأيه في الحوار مع مجموعة من الناس.
أما يكون هو قائد مركب الرأي ويأخذ الجميع صوب مينائه، أو يبدأ الهجوم على من لا يتوافق مع رأيه، وهناك لا نخرج بنتيجة أو نقاش ذي فائدة رؤيتك لصواب وحقيقة وجهة نظرك التي تستند فيها على حقائق قرأتها في أحد الكتب، قد تخالفها حقيقة ما قرأه شخص آخر في كتاب يدك لم تصل إليه بعد.
أو ربما علمتهُ الحياة تجربة تجعلهُ لا يتنازل عن وجهة نظرهُ؛ لهذا يجب أن تتقبل رأيه، وتذكر كذلك ليس كل ما تمدنا بهِ الكتب من تجارب الآخرين وآرائهم هو صحيح، ويجب علينا أن نتمسك بهِ ونعيش عليه.
الغرور:
المثقف المغرور الذي يشعر بعد كتابة نص وسطرين وقراءة كتابين أنه أعلى شأناً وقيمة وذكاء بين أقرانه وأصدقائه، سيكون في موقف مثير للشفقة.
لا داعي للغرور بالنفس أبداً، تعلم أن تمنح العلم وتشارك المعرفة مع من حولك، وتستفيد وتفيدهم وتنقل لهم أفكاراً وتجارب ربما لم تسمح لهم الحياة بمعرفتها.
لا تحاول أن تختبر مدى معرفة الناس بما تعلمتهُ وجربتهُ البارحة.
فالعِلم الذي ينفع صاحبهُ يا أعزائي هو ما يجعل الإنسان أكثر تواضعاً، تذكّر ذلك جيداً.
لماذا لا يعرف أن ينصت:
إنها من الصفات التي نصادفها دائماً، هو ذاك الشخص الذي لا يسمح لك بأن تتحدث أو تقول ما لديك أو تخبرهُ ما في جعبتك من معلومات تعرفها ومواقف تسردها لهُ.
حديثهُ طوال فترة وجودك معه ما عن نفسه أو عن آرائه وأفكاره الشخصية، حاول أن تكون مثقفاً شديد الإنصات للآخرين، وتجيد ذلك الفن الراقي في فسح المجال لمن حولك بأن يتحدثوا لربما كان حديثهم فيهِ من الحكمة والمعرفة ما لا تعرفهُ بعد.
وأخيراً طابق هذهِ الصفات مع أفعالك اليومية في محيطك الافتراضي والواقعي ستعرف المثقف الذي أنت عليهُ، وأي الصفات تمكنت منك، ويجب أن تعيد النظر إليها وتصحح مسارها.
لأن ثقافتك هي التي ترفع من شأنك وشأن الآخرين، فلا تقلل من قيمة الأشخاص محدودي الثقافة والعِلم، كُن لهم خير مُعلم.. فالعلم رسالة عظيمة محظوظ مَن يحملها.
وتذكّر دائماً أن الأخلاق والخُلق تسبق التعليم والثقافة والمعرفة، الأخلاق والاحترام صفات تجعلنا نحترم العِلم ونشيد مجتمعاً مثقفا ومُهذباً خُلقياً وعلمياً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.