في هذه الأسابيع أصبحنا نسمع في المغرب عن حوادث بشعة متتالية، ورغم أنها ليست جديدة، فإن حدثها وقذارتها والأطراف المعنية بالأمر فيها جعلت المجتمع المغربي في حالة غضب واحتقان شديدين، لكن الغريب في الأمر هو حالة اليأس التي بدأت تسكن قلوب الناس الذين تأمّلوا يوماً في رؤية بلادنا في حال أفضل.
يكفيك التجول قليلاً في شوارع الدار البيضاء مثلاً لتشاهد مراهقين وشباباً، بل حتى أطفالاً يقومون بأفعال ويحملون أفكاراً لا تجعلك أبداً تستبشر خيراً بالغد الذي تقول دواخلك حين رؤية كل هذا: "يا ليته لا يأتي".
سيفهم العديد أن هذه التدوينة جاءت على خلفية حادثة الاعتداء الجنسي البشعة التي تعرضت لها شابة تعاني من إعاقة ذهنية وسط حافلة في العاصمة الاقتصادية للمملكة، وقبلها حادثة الاعتداء الجنسي على حمار في مدينة سيدي قاسم، لكنني لن أتحدث عن هذين الحادثين في حد ذاتهما، بل الحديث يجب أن يتجه إلى ما هو أبعد من ذلك وما هو أعمق.
بداية، العامل المشترك فيما وقع مؤخراً هو أن الفاعلين هم قُصّر، وهذا لم يشكل صدمة لكثيرين كوننا نشاهد أفعالهم في الأماكن العمومية والحافلات والشواطئ وغيرها كل يوم التي تجعلنا نتوقع منهم كل شيء، وللأسف تجعلنا نفقد الأمل في غد سيقوده أمثال هؤلاء حين يصيرون شباباً يفترض أن يحملوا هم الشعلة.
هؤلاء يستحقون أشد أنواع العقاب؛ لأن الأمر زاد عن حدّه بشكل كبير، وهذا أمر لن أدخل في حيثياته.
لكن، ليس هم فقط من يستحقون ذلك، فالصدمة الأكبر كانت في هؤلاء الذين يدافعون عن أفعالهم تلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي من جهة، والآخرين الذين دافعوا عنهم من جيرانهم وأقاربهم مثلا.
فالفئة الأولى التي اعتدنا وجودها مع كل حادثة تحرش أو اغتصاب، تتهم دائماً المرأة كونها السبب فيما حصل لها بسبب لباسها، معطين أمثالاً من قبيل تعامل الحيوانات مع اللحم الذي كشف أمامهم، والحيوانات من أفعال هؤلاء الذين ميزهم الله بالعقل براء.
هؤلاء أنفسهم الذين شمتوا في مغربيات أصبن في حادث تركيا الإرهابي في رأس السنة لا يمكننا انتظار شيء آخر منهم، بل هم أيضاً يتحملون مقداراً كبيراً من مسؤولية ما وصل إليه مجتمعنا من انهيار فكري وأخلاقي، ويستحقون أيضاً عقاباً لا يقل شدة عن مقترفي الجرم الفعلي.
أما الفئة الثانية المتمثلة في المقربين من هؤلاء المجرمين القاصرين فعوض أن يستنكروا أفعال مَن كانوا مسؤولين عن تربيتهم، نجدهم يختلقون لهم الأعذار ويستخدمون شماعة الفقر والتهميش وغيرها، الفقر لم يكن أبداً ينجب سوى رجال حقيقيين، بل جَهلكم والجهل الذي تنقلونه لأبنائكم هو المشكل.
وهنا، سننتقل للحديث عن الدولة والمؤسسات التي تشاهد تفشّي الجهل والجريمة دون أن تحرك ساكناً إلا في حالة وقوع فضيحة مدوّية كهذه، إلى حين أن يتناسى الناس ما وقع فتعود المياه لمجاريها في انتظار وقوع مأساة أخرى، دون الحديث عن التعليم الذي هو أساس الخلل، الذي سأتطرق له بشكل أوسع في تدوينة مقبلة.
في النهاية، أريد أن أقدم اعتذاراً لإيمان، ولكل امرأة تعرضت لأي نوع من الاعتداء والقهر في مجتمعاتنا العربية بصفة عامة في ظل مباركة العديد، وصمت الحكومات وبقية الناس، عذراً لكم، فأنتم أشرف من هؤلاء الذين يخرجون من فمهم كلاماً كونهم "رجالاً" والرجولة منهم براء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.