بعث الله -تعالى- الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- للناس كافة، بقوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28)" (سورة سبأ: 28). ولذلك، تعد الدعوة إلى الله من ضمن الفروض العينية التي على كل مسلم القيام بها، وتشجيع الناشئة على أن تكون ضمن أهدافهم ومهامهم في هذه الحياة. والدليل على ذلك قوله الرسول صلى الله عليه وسلّم: " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ".
وهناك العديد من طرق الدعوة، التي يمكن لأي شخص أن يختار منها ما يناسب إمكاناته ووقته وزمانه. ولعل أكثر الطرق المناسبة للكثير من الناس في وقتنا الحالي هي استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لنشر مختلف أفكار وقيم الإسلام من القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة.
وقد يجد البعض الآخر وسيلة في سرد القصص والحكايات لتحقيق ذلك، وآخر في الرسم والشعر والنثر، وثالث في إنتاج مختلف الأفلام. فكلها وسائل مهمة لا تقلّ أي منها عن الأخرى، وخاصة في ظل ما يعانيه العالم من الإسلاموفوبيا ومن تشويه صورته وربطه بالإرهاب.
أمّا الدعاة ممن جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الدعوة الإسلامية، فنجدهم يطوفون البلاد ويقابلون مختلف الشعوب والقبائل وجهاً لوجه؛ لتعريفهم بالإسلام ودعوتهم إليه. ويعتمدون في تحقيق ذلك على مختلف الأسس. وكان أن ذكر القرآن أهمها، والتي تتمثل بالدعوة بالموعظة الحسنة بقوله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)" (سورة النحل: 125).
كما وردت أسس أخرى للدعوة في القرآن الكريم، وهي التي نبيّنها -ذكراً لا حصراً- فيما يلي:
1. بيان حقيقة الخلافة وأنها ليست في الحسب والنسب وإنما في التقوى
وذلك عندما أشار الله -تعالى- على رسوله -صلى الله عليه وسلّم- بإخبار الكافرين بنبأ سيدنا إبراهيم، وذلك عندما زعم المشركون أنهم ورثته وأنهم يتَّبعون ديانته، إلا أنهم كانوا في واقع الأمر يخالفونه بعبادتهم للأصنام. قال تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)" (سورة الشعراء 69-77). وقول الرسول صلى الله عليه وسلّم: "لا فرق بين أبيض وأسود، ولا عربي ولا أعجمي، ولا ذكر ولا أنثى إلا بالتقوى". فرابطة العقيدة أقوى من رابطة الدم.
2. أن يكون الداعية قدوةً وقادراً على حمل أمانة الرسالة
فلا يخون ولا يخدع ولا يغش ولا يفتي بما لم يُنزل الله به من سلطان. فعليه تبليغ رسالة الإسلام دون نقص أو تشويه. وهذا ما بيّنته الآية الكريمة في قول سيدنا نوح بسورة الشعراء: "إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107)".
3. عدم طلب الأجر مقابل الدعوة
إن الأصل في الدعوة عدم طلب الأجر كما يفعل الكهان ورجال الأديان السابقون والحاضرون، بقوله -تعالى- على لسان نوح عليه السلام وباقي الرسل في سورة الشعراء: "وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109)".
4. استمالة القلوب بذكر نِعم الله
وذلك من خلال بيان نِعم الله على الإنسان تماماً كما فعل هود بقوله في سورة الشعراء: "وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134)". إضافة إلى بيان أن هذا الدين لا يراد به إلا النصيحة كما ورد في سورة لقمان، التي فيها جاءت الدعوة إلى التوحيد من أب لابنه؛ ليدرك الناس أن هذا الدين لا يراد به إلا النصيحة.
5. لا إكراه في الدين
أرسل الله تعالى سيدنا محمّد – صلى الله عليه وسلم – بشيراً ونذيراً للناس كافة. قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28)" (سورة سبأ: 28). ولكن بعد ذلك ليس عليه إكراههم على الإسلام، وذلك ما بيّنه تعالى بقوله: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)" (سورة البقرة: 256).
6. الثبات والوضوح في الدعوة
فالداعية لا يتردد ولا يخشى الهمز واللمز ولا يخاف وعيداً أو تهديداً، إنما يكون ثابتاً على الحق وواضحاً في دعوته. وهذا ما ورد على لسان سيدنا نوح -عليه السلام- بقوله: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)" (سورة هود: 25-28).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.