قبل عدة أعوام كنت قد قررت تكريس وقت فراغي للتعرف على الأديان والمذاهب المتنوعة، وبالفعل بدأت ذلك وما زلت، وأعترف بأن هذه الرحلة الفكرية الطويلة المرهقة قد غيَّرت في شخصيتي العديد من الأمور وبطريقة تفكيري ونظرتي للتاريخ وللأحداث الحالية.
حاولت قدر الإمكان التعرف على الأديان من مصادرها ومن معتنقيها، وليس ممن يردون عليهم أو يحاجّونهم، فسمعت منهم وليس عنهم، فمن الخطأ التعرف مثلاً على المذهب الإسلامي القادياني من دروس سلفية بعنوان: "الرد القاصم على القاديانية"، أو التعرف على الديانة الهندوسية من مقالة بعنوان: "بيان ضلالات الهندوس عباد البقر".
فكنت عندما أبدأ دراسة دين معين أحاول قدر الإمكان قراءة كتبهم الخاصة، والبحث عن مواقع خاصة لهم – وهو أمر يسير- والبحث عن معتنقي هذا الدين على الفيسبوك وغيره، أو عن مجموعات خاصة لهم، ومن ثَم محاورتهم والاستماع لهم.
هذه المنهجية سمحت لي بالتعرف على كل دين من لسان أبنائه، ومن كتبهم الخاصة.
عندما بدأت دراسة الديانة البهائية قمت مباشرة بالبحث على الفيسبوك عن أي مجموعات أو صفحات تجمع معتنقيها وتمثلهم؛ حيث إنني لم أكن أعرف أدنى معلومة عن ديانتهم بعد، وبالفعل وجدت مجموعة تمثل البهائيين في البلد الذي أقطنه، فبكل بساطة أرسلت رسالة إلى المسؤول عنها وأبديت رغبتي بعقد لقاء بسيط مع بعض البهائيين للتعرف على معتقداتهم، وبالفعل وصلتني رسالة فوراً بمكان وزمان اللقاء.
قبل اللقاء الموعود بعدة أيام حاولت معرفة ردة فعل بعض زملائي وأصدقائي بخصوص هذا الموعد، فكانت ردود الفعل متشابهة تقريباً، فالجميع نفر منّي بشكل غريب ونبّهني من مغبة هذا اللقاء على عقيدتي وديني "فالبهائيون يتعاملون بالسحر ويكيدون للمسلمين"، أو "يرتدون ملابس غريبة ولديهم طقوس عجيبة تنافي أخلاقنا وقيمنا" أو "هم طائفة من طوائف اليهود" أو "يأكلون الغريب من الطعام".
يوم اللقاء توجهت مع أحد أصدقائي وتتبعنا العنوان حتى وصلنا عمارة سكنية في منطقة تتوسط العاصمة ومكتظة بالسكان، فوجدنا الشاب البهائي ينتظرنا في شرفة منزله، فأشار لنا للصعود إلى الطابق الثاني.
استضافنا الشاب في منزله الخاص واستقبلنا هو وزوجته وطفلاه الجميلان ثم قادنا إلى غرفة الضيوف؛ حيث وجدنا بانتظارنا مجموعة من الشباب يرتدون الجينز وبتسريحات شعر تشبه تسريحاتنا تماماً، وقدموا لنا التشيز كيك.. وكان لذيذاً.
شرح لنا الشباب البهائيون كافة الأمور التي جئنا للاستفسار عنها ورووا لنا سيرة حياة بهاء الله مؤسس الديانة البهائية وكافة تفاصيل اعتقاداتهم وشرائعهم؛ حيث تبين لنا أنهم يؤمنون بالله وبجميع الرسائل السماوية السابقة، لكنهم يؤمنون أن الرسائل السماوية لم تتوقف بل ما زالت مستمرة.
تعمدنا أن لا نجادل أو نحاول إقامة الحجة عليهم بل كان حواراً لطيفاً وسرداً لمعلومات جديدة كلياً علينا.
أنهينا اللقاء بجلسة دعاء مشتركة وقراءة لنصوص من كتابهم المقدس.
إن الخوف من الآخرين ينبع من جهلنا بهم… حاولت بعد زيارتي هذه تصحيح النظرة السلبية التي كنت قد وجدتها لدى زملائي، لكنني لم أفلح في ذلك.
تنسب مقولة لابن رشد مفادها أن الجهل يؤدي إلى الخوف.. والخوف يؤدي إلى الحقد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.