تراكمت المحاضرات والواجبات في دورة التربية الرقمية في بيروت، لدرجة أن المشاركين شعروا بالإرهاق وقلة النوم طيلة ساعات متواصلة من العمل. الدوام الذي اشتمل على المحاضرات، وورشات العمل، والتدريب على تصميم المواد الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة من الساعة التاسعة صباحاً، وأحياناً حتى ما بعد الساعة الخامسة مساءً، وحتى يحل الظلام. وامتدت ساعات إنجاز الواجبات المطلوبة حتى ما بعد منتصف الليل في إنجاز الواجبات، وفي بعض الأحيان حتى ساعات الفجر.
شعر الجميع بضغط هائل، وبمحاولات يائسة لاختطاف بعض الساعات للخروج للتعرف على معالم بيروت، وهو الحلم الذي راود جميع المشاركين قبل الوصول إلى الدورة، إلا أن إدارة الأكاديمية كانت قد وضعت نصب عينيها أن يكون الهدف الأول والأخير هو تحقيق النتائج العلمية والأكاديمية، وخروج المشاركين بحصيلة كبيرة من المعلومات، فضلاً عن غرس الفكرة الأساسية، وهي التأهيل لإحداث نقلة نوعية في الواقع الاجتماعي العربي، والإسهام الفاعل في النهوض بوعي الجمهور لاستيعاب التطورات المتسارعة في عالم الاتصال وآليات التعامل معها.
ليس هذا كل ما في الأمر، فقد تحدثت عن هذه الجوانب في مدونات سابقة، ولكني أحببت هنا أن أتحدث عن جانب، ربما تجدر الإشارة إليه، وهو الجانب الوجداني الذي تسلل إلى قلوب ومشاعر المشاركين.
فقد جاء المشاركون من 16 دولة، وكان هناك تنوع كبير، ما بين أكاديميين وأكاديميات، وطلبة، وصحفيين وصحفيات بخبرات وخلفيات متفاوتة. كما شارك عدد كبير من المحاضرين من دول مختلفة، أجنبية وعربية. وشارك في التدريب والإعداد والإدارة طاقم كبير أيضاً مؤهل بمستوى احترافي عالٍ، كان سبباً مهماً جداً لنجاح الدورة والخروج بنتائج رائعة، بشهادة جميع المشاركين.
النخبة المميزة التي شاركت في دورة التربية الإعلامية والرقمية MDLAB في بيروت عملت على مدار أسبوعين متواصلين في مجموعات، ولكن في الجانب غير المرئي في الصورة، كانت هناك حالة من نسج العلاقات الاجتماعية والوجدانية تحدث بين كل المشاركين.
فالعمل المشترك والجماعي، والنقاشات والحوارات التي كانت تجري، والجلوس في الاستراحات وفي الفندق، والخروج في رحلات وفي جولات التسوق القليلة جداً، صنعت علاقة وأُلفة عجيبة وغير ملحوظة بين كل المشاركين.
وفي اليوم الأخير من الدورة، ظهرت تلك المشاعر بشكل جياش، اجتاحت أحاسيس المشاركين، ولامست مشاعرهم ووجدانهم، لم يتمكن أحد من السيطرة على مشاعره، فكان الجميع يبكي في لحظة الفراق، واتفق الجميع على التواصل بعد عودة كل واحد إلى وطنه.
آلاف صور السيلفي، وعشرات الهدايا المتبادلة، والكثير من الحديث عن الأوطان والأحوال، لدرجة أن الإحساس بالحواجز التي صنعتها السياسة ذابت وتلاشت، وظهر إحساس قوي بالتوحد وتبادل الشعور بهموم الأمة من محيطها إلى خليجها.
وحتى أعبّر عن إحساسي الشخصي وإحساس كل من معي من الفلسطينيين، فقد شعرنا باندماج حقيقي مع إخوتنا العرب من كل مكان. ورغم أن الإعلام أخذ ينقل لنا صورة مشوهة عن مواقف الشعوب العربية من القضية الفلسطينية، خاصة بعد بدء الربيع العربي، فإنك تلمس لدى كل المشاركين في دورة الأكاديمية، وهم كما ذكرت من النخب العربية المميزة في مجال الإعلام، الحب الشديد لفلسطين، والتعلق بالقضية المركزية للأمة العربية، وبالقدس والمقدسات في فلسطين.
فمثلاً، في إحدى المجموعات، كان معي فتاتان جزائريتان (فريال أوصيف، وسولاف بوشقورة، طالبتا دكتوراه ومحاضرتان في الإعلام في جامعة الجزائر)، أصرتا على أن يكون الواجب عن الدعاية الإسرائيلية ضد فلسطين. وكان الأداء مميزاً، وفضلاً عن ذلك، كان دائماً سؤال الجميع عن الأحوال في فلسطين، رغم الجراح النازفة في كل أطراف الجسم العربي.
عند لحظة وداع الوفد الفلسطيني والأردني، تجمع كل الأحباب: المصريون، الجزائريون، السوريون.. الجميع بدون استثناء تجمعوا خارج الفندق للوداع. وكانت لحظات مؤثرة إلى أبعد الحدود لا يمكن وصفها بالكلمات.
لا يسعني وأنا أكتب آخر تدوينة عن هذه الأكاديمية المميزة إلا أن أسجل تقديري للقائمين عليها على كل شيء، وبخاصة على صهر المشاركين الذين أتوا من مشارب مختلفة، في وحدة عربية حقيقية تجاوزت الحدود السياسية التي رسمها الاستعمار في سايكس بيكو قبل أكثر من مائة عام، وحبي وتقديري كذلك لكل المشاركين الذين تركوا بصمة لا تُمحى في قلوبنا وعقولنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.