لا يزال عقلي يسترجع صور المدينة العتيقة التي غادرتها صباحاً على أمل ألا يطول فراقنا حتى أعود إليها في المساء؛ لأبيتَ في أكنافها كما يبيت الطفل في حضن أمه المقدَّسة، مدينة إلهية كأنها بُنيت في السماء لتسكنها الملائكة، ونزلت إلى الأرض رحمةً بها وبركةً، كنت أبحث منذ عقود عن نفسي الضائعة، واليوم وجدتها.. نعم وجدتها في القدس.. في موطني.. في فلسطين.
لم يكن سهلاً علىَّ استيعاب تلك المشاهد، فقد شعرت برغبة قوية لإيقاف الزمن لأستمتع بما يدور من حولي، عندما دخلت مدينة القدس لأول مرة، انتابني شعور غريب لم أشعر به من قبل، فلما رأيت مسجد قبة الصخرة من بعيد يُنير الأرض جمالاً وهيبةً، شعرت أنني أسير في السماء بعيداً عن الكرة الأرضية، ولم يستغرق الأمر كثيراً لأستوعب حجم الخيانة التي تعرَّضت لها هذه المدينة المقدَّسة طيلة هذه العقود، مَعالمٌ دخيلة وغير أصيلة منتشرة في أرجائها شوَّهت منظرها وحضارتها، وبقيت وحيدة صامدة تحافظ على نفسها من غدر الزمان، لم أكن أتخيلها بهذا الجمال، فكل مَن فيها وحولها يستمد جماله منها في كل إطلالة صباح، وجمال أهلها قد أضاف إليها رونقاً استثنائياً؛ لتختفي من ذاكرتي عشرات المدن العالمية التي كنت أعدَّها جميلة؛ ليصبح للجمال مفهوم جديد بدأت اليوم في تعلُّم أبجدياته.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.