مهزلة الإعلام الإلكتروني

عدد الصحف الإلكترونية التي تنشر باللغة العربية، منها تلك التي تنشر باللغة العربية وموجهة لغير العرب أيضاً، يكاد يقترب من عدد قرائها، لكنها كغثاء السيل.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/24 الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/24 الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش

ليس خافياً على أحد أن عدد الصحف الإلكترونية التي تنشر باللغة العربية، منها تلك التي تنشر باللغة العربية وموجهة لغير العرب أيضاً، يكاد يقترب من عدد قرائها، لكنها كغثاء السيل.

وإن أردت أن تراسل صحيفة منها، فإنك واحد من اﻵلاف الذين ينتظرون دولاب الحظ في برنامج (يا نصيب) وعليك -حتى ينشروا لك- أن تكون نسخة من طريقة تفكيرهم، وهذا ما يقتل التنوع.

الصحف القديمة التي كنا نقرأها منذ أن كنا صغاراً لا تزال إلى الآن تنشر مقالات الكُتاب أنفسهم، ترهل أولئك الكتاب وشاخت كتاباتهم واشتعل فكرهم شيباً، وما زلنا مجبرين على أن نقرأ لهم رغماً عن أنوفنا.

بالعودة إلى موضة كتاب العصر (التدوين)، تكتب مقالة بعد جهد وعناء شديدين، ثم تبدأ بالبحث عن موقع ينشرها لك، تجد خانة بعنوان راسلنا من هنا أو اتصل بنا، تبتسم ويسيل لعابك ويرسم خيالك ابتسامات المحررين، وهم يقرأون مقالتك بحماس.

ترسل المقالة عبر بريدهم الإلكتروني فيظهر أمامك "جار إرسال الرسالة"، وتأخذك الغبطة، لكن بعد عدة دقائق ترد إليك مقالتك مهمشاً عليها بالإنكليزية عبارة تعني أن هذا البريد الإلكتروني معطل، وأن خانة اتصل بنا ليست سوى خدعة صغيرة.

تستنتج أن هذه الصحيفة التي راسلتها لها -كغيرها من الصحف- بريد إلكتروني خاص بالمحررين يتلقون عبره رسائل ثلة من الكتاب فقط، حسب المحسوبية والقربى الحزبية أو العرقية أو الدينية.

تكتب هذه الثلة كالكتاب التقليديين الذين أرغمنا على قراءة غثهم وسمينهم منذ أن كنا صغاراً.

وإن صدف وأعطاك أحد زملائك ذلك البريد الخاص وراسلت عبره إحدى تلك الصحف، وإن حدث ورد عليك أحدهم، فسيقول لك: نطلع على مقالتك ونرد لك الجواب.

وعندما يأتيك جوابه الخاص عليك أن تتحلى بأخلاق المهاتما غاندي ويسوع المسيح وجميع الأنبياء والأولياء والصالحين؛ ﻷن الرد على عدة أوجه، فربما قال إن لديك أخطاء في اللغة، تعود إلى أخطائك اللغوية المزعومة لتلاحظ مدى سطحية فهم اللجنة للعربية.

أتذكر أن أحدهم رد عليَّ مرة: "ليس جميلاً أنك استخدمت لام الأمر، إنك تأمر قراءك"، وقد يحاجونك بأن صياغتك وترتيبك للأولويات غير سليم، فتتساءل ببراءة: "يا سيدي الكريم، ألا تستحق مقالتي النشر، هل اخترت موضوعاً لا وزن معرفي له؟ فيأتيك الرد: لا لا، إنما نريدك أن تعيد الصياغة من جديد، وإن كانت تستحق النشر فإننا سننشرها". تعود أدراجك وتحاول أن تهبط بسمو ما كتبت إلى مستوى يقارب ضحالة تلك اللجنة؛ ليتحول مقالك إلى سروال رث مرقع رث.

تعاود إرسال مقالك مرة أخرى، لكن مع غياب الرد تعلم أن اللجنة لم يكن لها مشكلة مع مقالك أساساً، إنما لها مشاكل أخرى.

لا يمكنك أن تحزر ماهية المعايير التي تستند إليها تلك اللجان التي تقيم صياغة المقالات، وما يصيبك بالجنون أن منهم من يرشدك كيف وماذا تكتب، فتقول في نفسك: سيدي إن ما أكتبه هو مقال رأي، لست أعطيك دروساً في الرياضيات أو قواعد اللغة، ويمكنني أن أتوسل بحدث صغير للحديث عن قيمة كبرى والعكس بالعكس.

أجزم أن الكثيرين يعانون مثلي من هذه النمطية التي تمنعنا من الكتابة بصيغ أخرى غير معتاد عليها، تجعلها ممنوعة من النشر، أما ما يدعو للاستغراب ولا أقول للتقيؤ، فهو أن الذين يديرون تلك المواقع العربية اللسان "سواء كانت هذه المواقع موجهة للعرب أو لغيرهم"، أشخاص لا يفتأون يلهجون بحرية التعبير والتنوع والخلاص من الاستبداد والتفرد وغيرها من الشعارات الفضفاضة، وهم لا يختلفون قيد شعرة عن حكامهم الذين يتمسكون بكرسي السلطة إلى أن يوسدوا في قبورهم.

وهذه الظاهرة -المثقف الديكتاتور- سبب آخر من أسباب تخلفنا ومعوق آخر من معوقات الإصلاح في بلداننا.
كل ما ذكرته، على مرارته، غير قابل للتعميم؛ ﻷن ثمة مواقع ومدونات -على قلّتها – قد أحدثت قفزة نوعية ونقلت القراء والكتاب معاً إلى عالم جديد من الكتابة اللانمطية المنشودة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد