مساء يوم 9 أغسطس/آب 2013 اتصل بي صديق يعمل مصوراً تلفزيونياً في إحدى القنوات المحلية، قال لي: "محمد، سيتم فض اعتصامي رابعة والنهضة غداً"، سارعت إلى اعتصام ميدان رابعة العدوية، وكنت هناك من الساعة 11 مساء حتى 6 صباحاً، لم يحدث شيء فمشيت.
اتصل بي نفس الشخص لمدة 4 أيام، حتى يوم 13 أغسطس قال لي نفس الشيء، في ليلة 14 تغيرت نبرة صوته، وقال لي: "أنا بتكلم بجد، هيفضّوا رابعة والنهضة الصبح"، صراحة لم أصدقه، لكني ظللت مستيقظاً، حوالي الساعة 5 صباحاً بدأت أقرأ عن تحركات لقوات الشرطة والجيش المصري.
سارعت إلى مكتب الوكالة التي أنتمي إليها، منها ذهبت إلى ميدان رابعة العدوية، دخلت حوالي الساعة 6:30 صباحاً، كيف دخلت؟ لا أعرف.
تم تحذيري من العديد من الزملاء من تعريض نفسي للأذى، أو المخاطرة، لكن القدر محتوم، فأنا مقتنع أنني لن أُقتل في نزاع.
بدأت التصوير عند مدخل طيبة مول، متظاهر أعزل حاول حمايتي (رغم أنني أرتدي واقي رصاص كاملاً وخوذة)، كان يقول لي: "بالله عليك وري الناس الجيش بتاعنا بيعمل فينا إيه"، بعدها تلقى رصاصة في رأسه، وسقط على الفور!
بقيت هناك لساعات عديدة، لأتوجه إلى "المستشفى الميداني" بعد ذلك، أو إلى "مشرحة رابعة العدوية" إن جاز التعبير، وجدت الكثير من الجثث، بعدها طلب منّي أحد الأطباء الخروج ليجدوا مساحة ليضعوا جثمان متظاهر لقي حتفه.
بعد أن غادرت الميدان رأيت مدرعات عسكرية متجهة لرابعة العدوية، كان من أقسى المشاهد التى رأيتها، مصريون يهللون على أنغام أغنية في sound system ويطالبون جنود الجيش والشرطة "خلصونا منهم يا باشا" كان هذا يوم "وفاة الإنسانية وانتشار الفاشية" بالنسبة لي عند الشعب المصري.
دائماً كنت أحاول أن لا أظهر ما بداخلي أثناء العمل، فإن كنت في مظاهرة مؤيدة للجيش أو معارضة للانقلاب العسكري، أحاول أن أكون حيادياً على قدر المستطاع.
لكن ذاك اليوم، ذاك الأربعاء، بدأت أبكي تلقائياً، بدون أن أشعر أني أبكي، بعدها بيوم أرسل لي صديقي علاء القمحاوي صورة لي، وقتها فقط عرفت أنني كنت أبكي! غطيت العديد من الأحداث التي قد تصنف "أحداث عنف" أو "دموية" داخل مصر وخارجها. لكن جريمة فض اعتصام رابعة العدوية أعنف شيء رأيته في حياتي.
أؤمن أن هذا العالم غير عادل، شاهدت مجزرة رابعة العدوية وعمري 19 عاماً، لكن بداخلي أمل بسيط جداً، أن أرى مَن خطط ونفذ عمليات قتل المصريين، إن كانوا من لقوا حتفهم من "عملاء/خونة" التحرير في "انتفاضة 25 يناير" كما أحب أن أسميها أو "أحداث 25 يناير" كما يسمونها. من كوبري قصر النيل، إلى مسرح البالون، إلى ماسبيرو ومحمد محمود، إلى "إرهابيي" اعتصامي النهضة ورابعة العدوية، أمام العدالة، أملي أن أرى العدالة وأنا على قيد الحياة.
أخي مصعب الشامي، كان في نفس السيارة التي أقلتنا إلى منزلنا، قرأت قبل فرض حظر التجوال بدقائق "استشهاد مصعب الشامي" كان معي في نفس السيارة، المقعد الخلفي، لكن قُبض قلبي من الرعب، رحم الله مصعب الشامي.
بعدها علمت باعتقال عبد الله الشامي، وأنها "إجراءات وهيطلع" لكن استمرت الإجراءات 10 أشهر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.