آلُ البيتِ والصَّحَابَة مَحَبَّةٌ وَقَرابَة (رحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)

فركب إلى المدينة فأتى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعل يبكي عنده، فأقبل الحسن والحسين فجعل يقبلهما ويضمهما، فقالا: نشتهي أن تؤذن في السَّحَر، فعلا سطح المسجد، فلما قال: الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة، فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله زادت رجتها، فلما قال: أشهد أن محمداً رسول الله، خرجت النساء من خدورهن، فما رُئِيَ يوم أكثر باكياً وباكيةً من ذلك اليوم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/12 الساعة 04:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/12 الساعة 04:41 بتوقيت غرينتش

الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله أقام على الأمة الحجة وأوضح لها الدليل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وليس له من خلقه نظير ولا مثيل، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله خير خلق الله والهادي إلى أفضل سبيل، وعلى آله وأصحابه الذين مدحهم الرب جل وعلا في محكم التنزيل حيثُ قال الله تبارك وتعالى:

(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعَاً سُجَّدَاً يَبْتَغُونَ فَضْلَاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانَاً ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ)
(ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرَاً عَظِيمَاً)

فاعلم أيُّها القارئ المؤمن بالله العظيم ورسوله الكريم، أن من دعائم هذا الدين العظيم، وأسُسِه المتينة، ومبانيه القويمة، ما شرعه الله عز وجل من وجوبِ التراحم والتلاحم، ونبذِ الفرقة والتشاحن، فالمؤمنون أخبر الله عنهم بقوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)

والله عز وجل لمَّا مدح خير الخلق بعد الأنبياء وهم الصحابة الكرام، البررة الأطهار، كانت أخصَّ صفة اتصفوا بها، والوسام الذي شَرُفوا به، والعنوان الذي عُرفوا به هو التراحم بينهم، وتأمَّل كيف قدم تراحمَهم على عبادتهم وتهجدِهم وابتغائهم الفضلَ من الله.

فاعلم أيها القارئ أنَّ هناكَ نفوساً مريضَةً أتباع الأهواء، يُريدون التفريق دائماً، بينَ آلِ بيتِ رسولنا الكريم محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّمَ وبينَ صحابته الكرام! مع العلم أنَّ آلَ البيتِ من الصحابة!

وهُنا يكمنُ الخطرُ!

يعني الَّذي يُفرِّقُ بين الصدِّيقِ سيِّدِنا أبي بكرٍ وبين الشُّجاعِ سيِّدنا علي -رضي الله عنهما- فهو جاهلٌ غَبِيٌّ يُريدُ أن يُفَرِّقَ بينَ ما جمَّعَ الله، وكِلاهُما رضوانُ الله عليهما أحبابُ سيِّدنا رسول الله عليه صلوات الله كان يُحِبُّهُما، ولذلك ثبت عن الصدِّيق -رضي الله عنه- أنَّهُ قال: ارقُبُوا مُحَمَّداً فِي آلِ بَيْتِه.

فهو يُوصي رضوان الله عليه في آلِ بيتِ رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

ولا تصدِّقوا تلك الدعوات ذات الضلالات، التي تقولُ: ميراثُ السيدة فاطمة أو سيدنا علي أو الحسن أو الحسين… إلخ!

فهذا كُلُّهُ افتراءٌ وكذبٌ من باب اتباعِ الشَّهَوات، وهم المدَّعونَ أصحابُ الضلالات!

فصاحبُ نبيِّنا الكريم رضوان الله عليه كان بينه وبين آل بيتِ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وُدٌّ ومحبَّةٌ، فانظر إلى ثناء الشُّجاعِ الذكي سيدنا علي -رضي الله عنه- على سيدنا أبي بكر -رضي الله عنه- فهو يَعْرِفُ لهُ قَدْرَهُ ومَقَامه.

وفيما رواه الإمام البُخاري في صحيحه، عن عقبة بن الحارث -رضي الله عنه- قال: صلى أبو بكر العصر ثم خرج يمشي ومعه علي، فرأى الحسن يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه، وقال: بأبي شبيه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ليس شبيهاً بعلي، وعلي يضحك.

فوائد مقتطفة من شرح الحافظ على الفتح:

‏قوله: (وعلي يضحك) ‏
‏في رواية الإسماعيلي "وعلي يتبسم"
1- أي: رضىً بقول أبي بكر -رضي الله عنه- وتصديقاً له.
2- وقد وافق علي -رضي الله عنه- على هذا الأمر، أنَّ الحسن كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3- وفي الحديث فضل أبي بكر ومحبته لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم.
5- وفيه ترك الصبي المميز يلعب، لأن الحسن إذ ذاك كان ابن سبع سنين. وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه. ولعبه محمول على ما يليق بمثله في ذلك الزمان من الأشياء المباحة، بل على ما فيه تمرين وتنشيط ونحو ذلك. والله أعلم. أ.هـ.

وموقفٌ آخر لأُمنا -رضي الله عنها- عائشة بنت الصديق تحكي فيه عن كلام بنت رسولنا الكريم الكريمة بنت الكريم، فاطمة -رضي الله عنها- تقولُ فيه:
ما رأيتُ أصدقَ لَهْجَةً مِنْهَا إلَّا الَّذي وَلَدَهَا، وتعني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فبذلك كانتا حبيبتين كريمتين صديقتين يُحبُّهُما رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعندما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضَ الوفاةِ أسرَّ لفاطمة -رضي الله عنها- كلاماً فبكت، وأسر بعده بكلام فضحكت! فقالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لها، تسألُها عمَّا رأتْه منها، فقالت -رضي الله عنها- ما كُنْتُ لِأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتوفي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فعادت فسألتها، فقالت لها: نعم.

إذاً عرفتَ أنَّ العلاقة بين فاطمة -رضي الله عنها- وبين عائشة -رضي الله عنها- قائمة على حسن العشرة وكرم الصحبة، علاقة بر، صلة، مودة، ولم نسمع أن أمراً بينهما حصل، كان من شأنه أن يكدر ذلك الصفو، أو يقطع حبال الود بينهما.

فقد كانت عائشة -رضي الله عنها- تحب فاطمة -رضي الله عنها- وتحسن الثناء عليها، حتى إنها تشبّهها برسول الله صلى الله عليه وسلم.

روى أبو داود، والترمذي عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: (مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَشْبَهَ سَمْتاً وَهَدْياً وَدَلاً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهَا، كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَبَّلَهَا، وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ إِلَيْهِ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ، وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا). صححه الألباني في "صحيح أبي داود".

(سَمْتاً) السمت حُسْن الْمَنْظَر فِي أَمْر الدِّين. وَيُطْلَق أَيْضاً عَلَى الْقَصْد فِي الأمر، وَعَلَى الطَّرِيق وَالْجِهَة.

(وَهَدْياً) قَالَ أَبُو عُبَيْد: الْهَدْي وَالدَّلّ مُتَقَارِبَانِ. يُقَال فِي السَّكِينَة وَالْوَقَار وَفِي الْهَيْبَة وَالْمَنْظَر وَالشَّمَائِل.

(ودَلاً) الدل حُسْن الْحَرَكَة فِي الْمَشْي وَالْحَدِيث وَغَيْرهمَا. وَيُطْلَق أَيْضاً عَلَى الطَّرِيق. "فتح الباري" (10/510).

فالصحابة وآل البيت -رضوان الله عليهم جميعاً- كما أقول دائماً: لبعضهم البعض كانوا كالروحِ الواحدة، يضمُّها جَسَدَانِ، أكرِم بِهِم، وأكرِم بِمُعَلِّمِهِم النبيِّ الإنْسانِ.

كانوا شيئاً واحداً ونسيجاً واحداً، والذي يُريدُ أن يُفَرِّقَ بينهم هو المفتون الملعون!

ومما يُذكر من تاريخنا المُشرق:

أنَّ سيِّدنا الحسن بن علي رضوان الله عليهما، مرَّ على مجلس فيه سيدنا أبو هريرة -رضي الله عنه- فقال الحسن:
السلامُ عليكم.
فرَدَّ النَّاسُ: وعليك السلام.
وسكت أبو هريرة -رضي الله عنه- إلى أن انتهى الناس من كلامهم، وقال ردَّاً على الحسن رضوان الله عليه:
وعليكَ السلام يا سيدي.
فقال النَّاس متعجبين من قول أبي هريرة رضوان الله عليه: أوَتقولُ ذلك؟!
قال رضوان الله عليه: نعم هو كذلك، أي سيِّدي. سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ ابني هذا سَيِّد".

وبكل فخر هو سيدنا وسيد أجدادنا وآبائنا وأمهاتنا وأولادنا والمسلمين أجمعين.

ولمَّا مات رضوان الله عليه قال أبو هريرة رضي الله عنه: ابْكُوا أيُّها النَّاسُ فَلَقد ماتَ سَيِّدُ المُسْلِمين. وكان يبكي رضوان الله عنه ويجْهِشُ بالبُكاء.

ومن الأمثلة في تاريخنا المُشرق أيضاً:

لمَّا طعنَ الفاروقَ أبو لؤلؤةُ المجوسيُّ الكافرُ المُخلَّدُ في النارِ -إن شاء الله – واستخلف الخلافة في الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، جعل فيهم علياً -رضي الله عنهم- وعثمان والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقَّاص وعبد الرحمن بن عوف، رضوان الله عليهم.

والفاروق -رضي الله عنه- كان يُولِي الحسن والحُسين اهتماماً بالغاً في حياتهِ، رضوان الله عليهم أجمعين. ومما يُقال:

مثال: فقد قسَّم يوماً مالاً، فأعطى كل واحد منهما عشرة آلاف، وأعطى ولده عبدالله ألفَ درهم. فعاتبه ابنه، وقال له: قد علمت سبقي إلى الإسلام، وهجرتي، وأنت تُفَضِّلُ عَلَيَّ هذين الغُلامين!

فقال عمر -رضي الله عنه- ويحك يا عبدَ الله ائتني بجدٍّ مثل جدهما النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبٍ مثل أبيهما (علي)، وجدةٍ مثل جدتهما (خديجة)، وخالٍ مثل خالهما (القاسم وإبراهيم)، وعمٍّ مثل عمهما (جعفر بن أبي طالب)، وعمة مثل عمتهما (أم هانئ بنت أبي طالب)، وخالة مثل خالاتهما (زينب – رقية – أم كلثوم)، وأم مثل أمهما (فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم).

روى أبن الأثير أيضاً في أسد الغابة، أنَّ بلالاً -رضي الله عنه- وهو مقيم بالشام رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في منامه وهو يقول: "ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورنا".

فركب إلى المدينة فأتى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعل يبكي عنده، فأقبل الحسن والحسين فجعل يقبلهما ويضمهما، فقالا: نشتهي أن تؤذن في السَّحَر، فعلا سطح المسجد، فلما قال: الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة، فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله زادت رجتها، فلما قال: أشهد أن محمداً رسول الله، خرجت النساء من خدورهن، فما رُئِيَ يوم أكثر باكياً وباكيةً من ذلك اليوم.

وعندما ترى أنَّ الفاروق -رضي الله عنه- فرض للحسن والحسين أعطياتٍ تساوي أعطيات أهل بدر من المهاجرين والأنصار دون غيرهما، فلماذا هذا الأمر؟

إكراماً لهما بأبيهما وعائلتهما، خصوصاً جدّهما المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.

عمر -رضي الله عنه- كان يُعْطيهما كما كان يُعْطي أباهما عليَّاً رضي الله عنهم أجمعين.

ولمَّا كتب الفاروق -رضي الله عنه- الدواوين وجنَّدَ الجُنْدَ قال: بِمن نبدأ؟
قالوا له: نبدأ بكِ يا أميرَ المؤمنين، فأنت سيدنا وأميرنا.
قال -رضي الله عنه- لا، بل نبدأ بآل النبي صلى الله عليه وسلم، ونبدأ بالعبَّاس عمُّ النبي الكريم، رضوان الله عليه.

فانظر كيف عرف الصحابة قَدْرَ آل البيت ومكانتهم وأحبوهم حُباً كثيراً، وأحبُّوا النبي أكثر منهم، رضوان الله عليهم.

جاء الحسين رضوان الله عليه إلى الفاروق يستشيره في مسألٍة ما، أو يطلبُ منه شيئاً -اللهُ أعْلَمُ بِمُراده- فقيل له: إنَّهُ خالٍ بِمُعاوية، أي كان سيدنا معاوية -رضي الله عنه- عند الفاروق -رضي الله عنه- يُكلِّمُهُ في مسألةٍ ما، حيث إنه كان والياً على الشَّام آنذاك.
فقيل له: انتظر.
فانتظر أيضاً -رضوان الله عليه- وكان منتظراً قبلَهُ عبدالله، ابن الفاروق أيضاً، يُريد تكليم أبيه، رضوان الله عليهم.

وعندما رأى عبدالله أنَّ أباه قد أطال الكلام مع معاوية أجلَّ موضوعَهُ إلى وقتٍ لاحِقٍ، ومن ثمَّ أتى الحسين رضوان الله عليه.

فانصرَف عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- وكذلك الحسين بن علي رضوان الله عليهما.

فانتهى الفاروق -رضي الله عنه- من حديثه مع معاوية -رضي الله عنه- فقال: مَن كان بالباب؟
فقالوا له: جاء عبدالله ابنُك يا أميرَ المؤمنين، ثم انصرف.
قال: من جاء بعد ذلك؟
قالوا له: جاء الحسين بن علي -رضوان الله عليهما- يا أمير المؤمنين.
فقال الفاروق -رضي الله عنه- نادوه.
فجاء الحسين -رضوان الله عليه- وقال له عُمَر: لماذا لم تنتظر حتَّى أقضي حاجتك التي أردتها؟
قال -رضي الله عنه- رأيتُ ابنك انصرف ولم يؤذن له.
فانصرفت وأنا أولى ألا يؤذن لي!

سُبحان الله. انظر لهذا الكلام من ذلك الشخص الطيَّب الطاهر الزاكي كجده الكريم صلى الله عليه وسلم.

فهذا الأدب بعينه والفهم العالي والوقار.

قال الفاروق -رضي الله عنه- له: أنتَ أحقُّ من ابني أن تدخل عليَّ وتقضي حاجتك، فأنتَ ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ووالله ما أنبتَ الإسلامُ في قُلُوبِنا إلَّا أنتُم.
فهذا كلامُ الفاروق -رضي الله عنه- الذي يُحاول المنافقون جعله عدواً لآلِ بيتِ النبي صلى الله عليه وسلم!

وأقول دائماً: أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يلعن من لعن الصديق والفاروق وعثمان وعلياً والصحابة، رضوان الله عليهم أجمعين.

محبَّةُ أهل السنة والجماعة لآلِ بيتِ رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلَّم
مما جاء في فضل آل البيت، ومحبتهم، أن ابن كثير -رحمه الله- عند تفسير قول الله عز وجل:
(قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)
ذُكِرَ عن كلٍّ من أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- أثران يدلان على تعظيم أهل البيت وبيان شأنهم وعظيم منزلتهم. أما الأثران اللذان عن أبي بكر -رضي الله عنه- فقد أوردهما البخاري في صحيحه: أحدهما أن أبا بكر قال: والله لأن أصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحب إليَّ من أن أصل قرابتي.

يعني: آل محمد يحب أن يصلهم أكثر مما يصل آل أبي بكر الذين هم قرابته -رضي الله عنه وأرضاه- وهذا يبين عظيم منزلة أهل البيت عند أبي بكر -رضي الله عنه- الذي هو خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير أمة أخرجت للناس، وخيرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

والأثر الثاني: وهو أيضاً في البخاري، قال: ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته.

يعني: راعوا وصيته في أهل بيته صلى الله عليه وسلم، فهذا أمر لغيره أن يراعي لأهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم حقهم.

أما الأثران اللذان عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فأحدهما: أن عمر بن الخطاب قال للعباس يوم أسلم: والله لَإسلامك يوم أسلمت أحب إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم. وهو أبوه!!

قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك!

والأثر الثاني: وهو في صحيح البخاري: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما أصاب الناس قحط وخرج يستسقي استسقى بالعباس، واختار العباس ليستسقي للناس ويدعو لهم؛ لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا -يعني طلبنا منه الدعاء وتوسلنا بدعائه- فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قم يا عباس فادع الله". فقال: "بعم نبينا"، وما قال بالعباس؛ لأنه يريد من ذلك الرابطة أو السبب الذي جعله يختاره، فاختاره لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم.

وابن كثير رحمه الله ذكر طريقة أهل السنة في احترام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تفسير قول الله: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).

وبيَّن أنه ليس المراد من هذه الآية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، الذين هم عليّ وعمه وذريتهما، وإنما المقصود بالآية أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من قريش، لما بينه وبينهم من القرابة أن يتركوه يبلغ رسالة ربه إذا لم يساعدوه على تبليغها، فإذا لم يكونوا عوناً له على التبليغ فليخلوا بينه وبين الدعوة إلى ربه. وذَكَر أثراً عن ابن عباس -في صحيح البخاري- يبين هذا المعنى.

ولما ذكر ابن كثير أن المراد من هذه الآية هو ما جاء عن ابن عباس، بيَّن حق آل البيت ومنزلتهم وعظيم قدرهم، وأن هناك نصوصاً تدل على فضلهم وتعظيمهم وتوقيرهم، وأنه جاء عن الصديق الأعظم أبي بكر -رضي الله عنه- وعمر -رضي الله عنه- ما يدل على فضلهم، وذكر بعض النصوص التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضلهم، فهذا هو ما كان عليه سلف هذه الأمة، بل خير هذه الأمة، وأفضل هذه الأمة أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما.

وأقولُ دائماً: رضي الله عن الصحابة والآلِ والأزواجِ والقرابة وجمعنا الله بهم مع نبينا الكريم يوم القيامة في جنَّاتِ النعيم، وصلى الله على محمَّدٍ وآله وأصحابه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد