تضج الحياة بمفترقات من الطرق عصية الإدراك في بداية الأمر، لا نعلم ما خلفها إلا بعدما نعيش عمق الحدث، ونخرج إلى الضفة الأخرى لنرى الطريق الذي سُرناه، هو ذا الغيب والقدر، غيبية ما ستؤول إليه الأمور، وقدرية المشيئة.
انظر لكل تلك المحطات التي أخذت حتى الآن من حياتك مجملها، من المؤكد أن لا شيء منها عشوائي، قِف حيث تقف الآن، وأعطني دقائق من وقتك، أعطِ نفسك تلك الدقائق، لا عشوائية في كل تلك الاختبارات التي مررت بها، قد تنظر الآن إليها مبتسماً، نادماً، ضاحكاً ملء فيك، أو متأملاً بشيء من اللامبالاة.. لكن، هل تذكر تماماً كيف مضت عليك اللحظات وأنت في خضمها؟! من المؤكد أيضاً أن فرقاً واضحاً بين ردة الفعل الآنية والماضية سيبدو جلياً أمامك الآن، تتشابك الأمور التي لم تتخيل للحظة أنها قد تتعلق ببعضها، تتشابك تشابكاً يجعلك تحاول جاهداً أن تمسك الخيط الذي يلتف عليها جميعاً، خيطاً تراه بعينيك واضحاً؛ لكن لا مجال لمادية تجمعه.. ستدهشك تلك اللوحة مترابطة الحواشي والتفاصيل لتدرك أن قدرات العقل مهما اتسعت ستضيق أمام ما سيكون!
إننا وبكل بساطة نحيا الحياة التي تخصنا بكل تفاصيلها، بشغفها الذي يحترق بداخلنا لكي نكون أو لا نكون، بروتينها الذي يستنزف الحروف من يومياتنا فنتساءل كل مساء وماذا بعد؟ بجنونها وقواعدها، نعيشها بكل التناقضات فيها، لا قواعد ثابتة لما سيكون، وكيف يكون.. إن ما نصنعه بخياراتنا وقراراتنا، بخيباتنا وقصص الفشل المتتالية، بنجاحاتنا الصغيرة أبعد ما يكون عن كل ذلك الذي يحلو لي تسميته بـ"اللاواقع" المنتشر حيثما ذهبت، وأينما نظرت. لا تخضع الحياة لقالب واحد، ولا مجال لكل تلك المثالية التي أمسينا نراها صباح مساء، بطريقة منمقة ومزيفة في الوقت ذاته.. فلطفاً لا تكثروا الضجيج، كفّوا عن رسم النماذج المثالية والمسارات الوردية في كلماتكم وصفحاتكم.. لا أحد قد خاض ما خضت، فلماذا باتت تنشر الكثير من القواعد المصوغة بطريقة تعميمية لا منطقية؟ السن المناسب للارتباط، متى تتزوج ومن تتزوج، عدد الأولاد وبعد كم من المدة التي تنصح بها قبل أن تفكر بالمولود الأول؟ الحجاب والوظيفة وغيرها الكثير من الأمور التي لا يمكن بشكل أو بآخر أن يتم تعميمها أو إسقاطها كقالب مثالي حضاري ينصح باتباعه.
لا شيء يعادل لحظةً تستفتي فيها قلبك وروحك في ماذا تريد أنت، ليست الحياة وردية حالمة كما يصورها البعض أبداً.
في الوقت الذي يمكن أن يقضيه أحدهم في التجوال حول العالم ليحقق حلماً ما، هناك من لا يملك ثمن سيارة أجرة رغم امتلاكه أحلامه الخاصة أيضاً.
التجارب الإنسانية مليئة، ولا يمكن لأحدهم أن يقول لك كيف تعيش، وما هو الأسلوب الأمثل، كما لا يمكن لأحدهم أن يكون معياراً للنجاح على سبيل المثال، فتقول هل أنا ناجح كفلان؟ معادلة كهذه ليست موزونة؛ لأنك أنت بحد ذاتك لست فلاناً في الأصل..أنت أنت، فكن ناجحاً كأنت، كن فخوراً بنفسك وأنت تستذكر كيف تمالكت نفسك بعد فشل، وكيف وقفت ناهضاً بعد خيبة، وكيف عاهدت والتزمت، كن فخوراً بكل تلك القرارات المصيرية التي أخذت بزمامها رغم أنك لا تملك إلا اليقين، وبعض الأمل، كن فخوراً بقصتك فهي تستحق!
لا أريد لشغف أي منا أن تخمد شعلته، إن أكثر ما أخشاه هو أن تغدو تلك الشعلة وسيلةً لا لخوض تجربة ما، وإنما للتحدث عن تلك التجربة، أن نصل لمرحلة يكون فيها الظهور بخوض التجربة أهم من التجربة نفسها، والتباهي بتحقيق الحلم أهم من الحلم نفسه..كما أخبرتك، حياتك مترابطة ومتشابكة بتشابك خياراتك وأحلامك وقراراتك، فلا تحاول استلهام تجاربك بإسقاطها على تجارب شخصية أخرى.
فكر في نفسك قليلاً، في حياتك وماذا تريد أنت، وما هو الأنسب لك؟ ناضل لأجل حلمك أنت، لأجل أن تجد نفسك يوماً ما.. ناضل لكي لا تكون في يوم ما من أولئك الذين يذهبون حيث تميل بهم "بوستات الفيسبوك" و"تغريدات تويتر"، فكفّوا نمط حياتكم عن الضجيج، وناضل أيها القارئ لكل ما تحب "أنت".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.