كيف غيَّر فيلم “دونكيرك” الطريقة التي نصور بها الحرب في السينما؟

غادرت الفيلم وينتابني شعور قليل بعدم الرضا. لم يكن هناك سوى القليل من الشعور بتعاقب الأحداث على مدى الفيلم الذي تقل مدته عن ساعتين بقليل. ثم فجأة، في الدقائق العشر الأخيرة من الفيلم، يبدو أن كل شيء يسير على ما يرام وبامتياز

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/06 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/06 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش

تحذير: هذه المدونة تحتوي على كشف للأحداث
قد يكون صحيحاً أن الحرب لا تتغير أبداً، لكن الطريقة التي نصورها بها سينمائياً تغيرت لتوها.
منذ أن بدأت السينما، كانت الحرب خياراً مفضَّلاً لموضوع الفيلم أمام صنّاع الأفلام. في بدايات عام 1915، أخرج ديفيد غريفيث أحد أوائل ملاحم الحروب وهو فيلم "ولادة أُمة" (Birth of a Nation)، وهو تصوير شديد العنصرية للحرب الأهلية بصورة متعاطفة مع منظمات كلو كلوكس كلان.

ومنذ ذلك الحين في القرن الماضي، لم تفقد الحرب بريقها وجاذبيتها أمام المخرجين والكتّاب. فقد استمر إنتاج أفلام لا حصر لها تصوّر صراعات لا حصر لها عن طريق مخرجين مستقلين وأشهر متعهدي إخراج أفلام هوليوود على السواء. على الرغم من أن كريستوفر نولان يُعرف بأنه "أحد أكبر مخرجي هوليوود"، لا يعتبر فيلمه الجديد "دونكيرك" سوى ضربة سينمائية تقليدية بميزانية ضخمة.

تبدو الحرب العالمية الثانية موضوعاً غريباً لأن يجري تصويرها في أحد أفلام نولان. تستمد معظم أفلام الحرب الكبرى قوتها من استكشاف التأثير النفسي للحرب: هلاوس الخلل النفسي المصاحبة لفيلم "نهاية العالم الآن" (Apocalypse Now)، الدموية المرعبة في فيلم "صائد الغزلان" (The Deer Hunter)، والتراجيديا ذات النهاية السعيدة في فيلم "إنقاذ الجندي ريان" (Saving Private Ryan).

عندما نضع هذا في عين الاعتبار، سنجد أن قوة نولان، بوصفه مخرجاً سينمائياً، نادرًا ما تنبع من قدرته على تصوير الحركة. فقد حققت أفلامه "تذكار" (Memento) و"استهلال" (Inception) و"بين النجوم" (Intersteller) نجاحاً باهراً نتيجة لتنقيبها اللاوعي والسريالي.

لذلك، حاول نولان تجربة شيء مختلف بدلاً من حشو الفيلم بمجموعة من الخطب العاطفية والخلفيات الدرامية التراجيدية. فهو يتجنب كليًا أي نوع من التطور التقليدي للشخصية. وعلى الرغم من معرفة طاقم نجوم العمل، فنحن لا نعلم شيئاً تقريباً عن أي من الشخصيات. ولعل الصورة الوحيدة من الرؤية العاطفية التي أثرت فينا نحو أحد أفراد العمل هي عندما قال جورج، البالغ من العمر 17 عاماً، وهو على فراش الموت، إن كل ما يريده هو ألا يظهر اسمه في الصحيفة المحلية؛ وهو تحديداً أقوى مشهد عاطفي في الفيلم. بيد أنه فيما عدا ذلك، لم نعلم سوى القليل عن كل شخصية على حدة.

وبدلاً من هذا، قرر نولان أن يقدم للجمهور نوعاً من الهجوم الشامل. فيوجد تقريباً استمرار في انفجارات القصف والطائرات الصارخة والسفن الغارقة. ومن المؤكد أن موسيقى هانز زيمر وتصميمات الصوت الممتازة مسؤولة عن جزء كبير من التأثير الذي بدت عليه تلك المقاربة؛ إذ يحل التوتر محل العاطفة والتراجيديا الإنسانية.

لنلقي نظرةً على فيلم "صائد الغزلان" باعتباره مثالاً لنوع أكثر تقليدية من أفلام الحروب. يعتبر الفيلم شديد التطويع؛ إذ إن ثلث الفيلم يتناول حرب فيتنام ذاتها. فيما يُكرَّس باقي الفيلم لعلاقة روبيرت دي نيرو بأصدقائه عندما عاد إلى وطنه في أعقاب الكارثة التي استمرت فترة طويلة بعد عودته إلى الولايات المتحدة.

يتخذ "دونكيرك" منحىً مغايراً كلياً؛ فهو يبتعد بالعدسة من تصوير المآسي الفردية للحرب ويركز على التجاهل واسع النطاق للحياة البشرية التي تؤدي إليها الحرب نفسها. كان من السهل لنولان أن يسقط في بعض المحادثات بين فيون وايتهيد وهاري ستايلز حول عائلاتهما في الوطن، أو الفتيات اللاتي يرغبان في خطبتهن عندما يعودان، أو أي كليشيهات أخرى معتادة في أفلام الحروب، لكنه تجنب هذا كما لو أنها وباء. وقرر عوضاً عن هذا، الإبقاء على وتيرة باردة ومنعزلة للفيلم.

تعتبر ندرة انتشار الدماء سمة أخرى تُلحَظ على الفور في فيلم "دونكيرك". فلا توجد أرضيات مغسولة بالدماء مثلما هو الحال في مشهد البداية لفيلم "إنقاذ الجندي ريان"، حيث كانت الدماء تنتشر على عدسات الكاميرا والأجساد المشوهة تصطف على الشاطئ. يضيف رفض استخدام الدماء لتحسين الفيلم بُعداً آخر لتصوير نزع الإنسانية عن الجنود في الفيلم. يركز الجمهور أكثر على الحرب نفسها وليس على القتلى من الأفراد.

يوظف نولان كل هذا التجاهل للإنسانية؛ كي يجعل نهاية الفيلم أقوى. ففي النهاية، لا ينقذ الجنود تلك المدمرةُ البحرية الضخمة أو سلاحُ الجو الملكي؛ بل قوارب صيد ذات ملكية خاصة يبحر بها مجموعة من المدنيين الإنكليز. تقود الحرب إلى تجاهل حياة الإنسان، ولكن في نهاية المطاف تكون الإنسانية هي المنقذ للرجال الذين يواجهون الخطر.

على الرغم من أن مقاربة نولان تكون أصلية، فهي لا تنجح دوماً.
فأنا شخصياً غادرت الفيلم وينتابني شعور قليل بعدم الرضا. لم يكن هناك سوى القليل من الشعور بتعاقب الأحداث على مدى الفيلم الذي تقل مدته عن ساعتين بقليل. ثم فجأة، في الدقائق العشر الأخيرة من الفيلم، يبدو أن كل شيء يسير على ما يرام وبامتياز. كان قرار نولان بتجربة شيء مختلف مسلياً، لكنه لم يُنفذ بصور مثالية.

وبينما يعتبر "دونكيرك" فيلماً مثالياً بكل المقاييس، فهو يشير إلى تحوُّل نحو مقاربة مختلفة لنوع من الأفلام طال انتظار مزجه. لقد قدمت لنا المقاربة القديمة لأفلام الحروب، التي ترتكز على الإنسان، بعضاً من أعظم الأفلام على الإطلاق، ولكن لم يعد هناك المزيد ليُقدَّم داخل هذا القالب.
كان قراراً شجاعاً من نولان أن يجرب فيلماً حربياً بتركيز قليل للغاية على البعد العاطفي. وفي المستقبل القريب، نأمل أن يتبع الكتّاب والمخرجون المثال الذي ضربه كريستوفر نولان في فيلمه وأن يتنفسوا هواء حياة جديدة لنوع سينمائي قديم نسبياً.

– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة البريطانية لـ"هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد