عرفت شبكات التواصل الاجتماعي منذ نشأتها أنها مواقع إلكترونية مبنية على التواصل والتقارب بين البشر، وجعل العالم قرية صغيرة بمحيط إلكتروني واسع ومتشعب الأضلاع، وقد استطاع أغلب البشر التعبير عن أنفسهم، وعن محيطهم المليء بالأخبار المفيدة والسيئة، سواء كانت شخصية أو عامة.
وكانت ميزة وسائل التواصل أن تتعرف على أشخاص يُشاركونك أفراحهم وأحزانهم، وتشارك الآخرين أفراحك وأحزانك أيضاً، وما يهمك ويهمهم، ونستطيع القول والتأكيد بأنَ شبكات التواصل الاجتماعي لها تأثير قوي جداً، رغم أنها مجتمعات افتراضية، ولكن تمكن روادها بسرعة البرق من مشاركة الأفكار والاهتمامات والأخبار وأحياناً تكوين صداقات جديدة ومتينة، خصوصاً لو كانت بنفس البلد والمدينة والقرية وحتى لو بعيدة.
وتعتبر أشهر شبكات التواصل الاجتماعي المعروفة في الوقت الحالي هي الفيسبوك والإنستغرام وتويتر، وكان الهدف من وجودها هو ربط الناس ببعضهم بعضاً، خصوصاً من يرغبون في البقاء على اتصال مع أصدقائهم وأقاربهم، رغم بُعد المسافات، بكل سهولة ويسر، ولمتابعة آخر الأخبار والأنشطة المُتعلقة ببعضهم البعض.
ولا شك أنه في الفترة الأخيرة أصبحنا نتابع ونقرأ بعض أمراض وسائل الـsocial media، وقد لاحظنا أنها محيط ومكان لأشخاص مصابين بمرض ومرضى نفسيين، من الشتم والحقد والكره والتعبير عن علة بداخلهم، ومنفذ لإخراج ما بهم من عقد ونقص وعجز، لتفكيك المجتمع إلى أشلاء، وأول مَن كان ضحيتهم تلك الفئة المريضة هو الوطن الذي يعاني في العصر الحالي العديد من الآلام والأمراض بدلاً من الترميم، انتهجوا وتقصدوا أن يفكك، وأن يزيد في أمراضه، ووضع الملح على الجرح.. وبعض روادها كان يضحي لأجلك والبعض ضحى بك بسمومه وشروره.
وقد تابعت كثيراً من الدراسات والأبحاث التي يؤكدها الباحثون وما أريد توضيحه في مقالتي هذه أوضح أن قضاء أكثر من ساعتين في التصفح والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، قد يعزز فرص الإصابة بأمراض نفسية خطيرة مثل الانطوائية والعزلة وبث روح الكراهية، وقد يؤدى إلى الانتحار أحياناً، كما أن استخدام مواقع شبكات التواصل الاجتماعي للبعض المستمر دون ضوابط يمكن أن يؤدي إلى مشاكل خطيرة، والدليل مخرجات وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي، وما نتابعه من نقص صاحبها في إخراج الكلمة المؤذية والتحليل المدمر للأوطان والإنسان والمحيط الذي نعيش به.
ولمتابعاتي المستمرة لوسائل التواصل الاجتماعي وقراءة مدخلاتهم الأجنبية في الدول المتقدمة استخدمت مواقع التواصل للتقريب فيما بينهم، وقول ونقد الأشخاص دون تجريح بعيداً عن الوطن والدولة، والسعي في خرابها، وفي الدول النامية استخدمها روادها ممن له ثأر بين شخص أو مجموعة أشخاص، وفي إحداث فجوة كبيرة بين الشعوب وقادتها، وليس التغيير، وإن حدث التغيير كان تأثيره لساعات قليلة، والفجوة والخراب لأيام عديدة للأسف.
نحتاج لمواقع تواصل يجلس عليها مؤهلون نفسياً قبل أن يكون ثقافياً؛ لأن الحالة النفسية مهمة في ترتيب الأفكار الناقدة والمؤيدة والمفيدة بطرق صحيحة، وإذا استطعنا استخدام تلك الوسائل للسبب التي وجدت من أجله سينتشر بين البشر التغيير الذي يقضي على أمراض المجتمع بكافة أنواعها؛ لأن عالم اليوم هو عالم الكلمة التي تطلق بطلقة نارية تحتوي على كلمة واحدة إما أن تقتل أو تخدم عدواً، أو تهدم وطناً.
يا سكان الـsocial media.. إن مواقع وسائل التواصل لا تبتلع المنشورات، بل تقضي على مجتمع بأكمله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.