حرف الميم وأكثر!

فبدل أن نحتاج 100 عام لتغيير حضارة وإدخال مفاهيم جديدة، نحن اليوم لا نحتاج سوى إلى فيديو كليب بكلمات غريبة للغات غير مفهومة حتى نثير اهتمام المجتمع والعالم، فإذا استطاعت أغنية ديسباسيتو أن تغير من مصير إقليم بورتاريكو وترفع من حاصلات الدولة من السياحة، فبإمكاننا توقع أي شيء وأي تغيير في الثوابت، وأن تنقلب الطاولة في أية لحظة ليتجه انتباه العالم نحو بلد جديد أو حالة إنسانية جديدة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/01 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/01 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش

نستيقظ كل يوم لنشهد حدثاً عالمياً جديداً يشغل منصات التواصل الاجتماعي، ويجلس على عرش آخر الصيحات، تصبح جزءاً من هذه المنظومة دون دراية منك، ولا شعور، فترى نفسك تبحث عن الأغنية أو الفيديو الذي يشغل معظم الصفحات التي تتابعها أنت وأصدقاؤك الفيسبوكيون، تشعر بالانقطاع عن العالم لمجرد أنك نمت قيلولة قصيرة عند الظهيرة؛ لتستيقظ منها وترى الهاشتاغ قد تغير، وبوصلة العالم تتجه لقِبلة جديدة وأنت هنا لا تدري كم لبثت؟ فهي بضع دقائق وساعات معدودة كافية لنشر صيحة جديدة وتغيير اهتمام العالم.

فبدل أن نحتاج 100 عام لتغيير حضارة وإدخال مفاهيم جديدة، نحن اليوم لا نحتاج سوى إلى فيديو كليب بكلمات غريبة للغات غير مفهومة حتى نثير اهتمام المجتمع والعالم، فإذا استطاعت أغنية ديسباسيتو أن تغير من مصير إقليم بورتاريكو وترفع من حاصلات الدولة من السياحة، فبإمكاننا توقع أي شيء وأي تغيير في الثوابت، وأن تنقلب الطاولة في أية لحظة ليتجه انتباه العالم نحو بلد جديد أو حالة إنسانية جديدة.

ولا يتوقف الأمر على أغنية بل يتعداه ليمس كل شيء في حياتنا، فعلى الرغم من مساحة التعبير الكبيرة التي منحتنا إياها منصات التواصل الاجتماعي، فإن كثيرين يلعبون دور التابعين الذين ينساقون خلف الصيحات الجديدة دون وعي أو تفكير، وتراهم يتأثرون بآراء غيرهم ويصدقونها.

وعليه ينقسم رواد منصات التواصل الاجتماعي إلى قسمين: التابعين، والمتابعين، وإن كان الفرق حرف الميم، إلا أن الفرق بين الكلمتين شائع وكبير، فالتابع هو مَن يتبع غيره دون تفكير، حتى في الإعراب في اللغة العربية فالاسم التابع يكون إعرابه كإعراب ما قبله، وهو بذلك دون موقع إعرابي متميز ويحمل صفات ما سبقه، وينطبق الأمر على الأشخاص التابعين الذين يتبعون غيرهم دون تفكير، فيضعون الأشخاص في موقع الشخص القدوة، ويقتدون بأقوالهم وأفعالهم دون أدنى تفكير، وهذا ما نشهده للأسف في كثير من منصات التواصل الاجتماعي، وتتراوح درجة الاتباع وتختلف من حالة لأخرى، فقد تكون على مستوى اللباس؛ لتتعداه إلى التفكير والتعامل مع ظروف الحياة، فتراهم ينساقون مع التيار، ويتأثرون بما يحدث حولهم.

إن أسباب هذه الظاهرة كثيرة ومتعددة، وأعتقد أن الفراغ الفكري الذي نعاني منه في حياتنا قد يكون أحد أهم الأسباب، لا سيما الأجيال الجديدة التي وجدت كل المعلومات جاهزة، فلم تعد تحتاج إلى البحث والنقد للوصول للمعلومة، فبمجرد كتابة كلمة أو دلالة على أي موضوع حتى يعج المتصفح بملايين المواقع والمعلومات التي قد يخلو بعضها من المرجعية العلمية، وتبقى آراء شخصية بحتة، مما أدى إلى ازدياد أعداد التابعين، خاصة في صفوف المراهقين، وهذا ما أدى إلى خلق ظاهرة فقاعة مشاهير منصات التواصل الاجتماعي، فهؤلاء لا يقدمون محتوى جيداً على مستوى فكري، ولكن ترى حولهم هالة من الشهرة وبريقاً مزيفاً يزداد بازدياد التابعين الذين يلاحقون أخبارهم وحياتهم.

مما لا شك فيه أن هذه الظاهرة تساعد أصحاب الشركات والأعمال على تسويق منتجاتهم وبضائعهم، وذلك بالاعتماد على مؤثر في التسويق، واستهداف التابعين الذين يأخذون بأقواله ونصائحه كمصدر موثوق ومعتمد.

ومن ناحية أخرى تساعد في تسخين المواقف وقلب الوقائع، وإثارة الفتن والحروب بين الشعوب من خلال تلفيق الحقائق ونشر معلومات مغلوطة.

أما النوع الآخر فهو المتابع، فأنت عندما تضغط على أيقونة Follow أنت بذلك ترغب بمتابعة منشورات وأفكار الشخص الآخر، ولكن مع الاحتفاظ باستقلالية تفكيرك وأفكارك، ويكون اهتمامك بالمحتوى الذي يقدمه هذا الشخص أكثر من عرض حياته الشخصية بتفاصيلها المملة، ويكون المتابعون على درجة عالية من الوعي بضرورة النقد والسؤال قبل الأخذ بأي معلومة.

منصات التواصل الاجتماعي أصبحت بديلاً عن كثير من المحطات الإخبارية والإعلامية، كما أنها بدأت تحل محل التلفاز والراديو وغيرها من وسائل الإعلام، لكنها قد تكون مدمرة للمجتمع إذا ما اتّبع أفراده نمط التابعية، وذلك لأن انعدام الفردية والاستقلالية الفكرية قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، خاصة أن التابعين يفضلون الأخذ بالمعلومة الجاهزة دون بحث أو شك، فلا ينقدون ما يعطى لهم، وينساقون وراء وَهْم منصات التواصل الاجتماعي وعوالم افتراضية قد تكون مبنية على الكذب والوهم والخداع، ويجدر أن يكون هناك وعي أكثر بين رواد هذه المنصات، وأن يكونوا أكثر درايةً بما يجري حولهم، فليس كل ما يلمع ذهباً، ودائماً هناك جانب آخر للقصة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد