ردود وتأملات في ذكر ذي القرنين بسورة الكهف

يظن بعض المتربصين أنهم قد وجدوا اختلافاً كثيراً بين القرآن والعلم، ومن أكثر ما طعنوا به هو فيما ذُكر عن ذي القرنين بسورة الكهف في الجزء الخاص بـ"العين الحمئة"، لقد ركزوا في هذا الموضع طعوناً كثيرة وشرسة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/16 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/16 الساعة 02:58 بتوقيت غرينتش

"أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً".
يظن بعض المتربصين أنهم قد وجدوا اختلافاً كثيراً بين القرآن والعلم، ومن أكثر ما طعنوا به هو فيما ذُكر عن ذي القرنين بسورة الكهف في الجزء الخاص بـ"العين الحمئة"، لقد ركزوا في هذا الموضع طعوناً كثيرة وشرسة.

وأغلب الردود على تلك الطعون لم تكن مقنعة حاسمة، وبعض الردود كانت تهدف إلى إسكات المشككين من موضع دفاع غير مفيد وغير مطلوب.

وبلا شك، فإن المعرفة العميقة بكل كلمة قرآنية شأن يعنينا قبل غيرنا، وليس للمشككين أصلاً من قدْرٍ يُذكر في بالنا، رغم أنهم اتخذوا من هذا الموضع من سورة الكهف في ظنهم باباً كبيراً للطعن وفرصة لا تُفوت لزعزعة إيمان المسلمين… وهذا بعض قولهم:

"عين حمئة، تلك التي غرق فيها الإسلام بنبيه وقرآنه وعلمائه كافة، إنها القشة التي قصمت ظهر البعير، تلك الفضيحة العلمية المذكورة في الآية رقم 86 من سورة الكهف، التي حاول علماء الإسلام الخروج منها بالوسائل كافة، ولكن قمصان النجاة كافة التي ارتدوها، وخصوصاً تلك المصنوعة من المجاز أو من البحر المحيط، لم تنقذهم من الغرق… كثيرون تركوا هذا الدين وغادروه وتحرروا من خرافات.. بسبب هذه الآية، التي تقول إن الشمس تغرب في عين طينية أو عين حارَّة، وهذا خطأ علمي".

هم يقولون "خطأ علمي سافر" والقرآن يقول: "ويسالونك عن ذي القرنين، قل سأتلو عليكم منه ذكراً". والذكر أمر عظيم، فيه العبرة والهداية والحكمة والإعجاز. هذا ما يقوله القرآن عمّا أورده حول ذي القرنين، فكيف ذلك؟

"إنّا مكنّا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً فأتبع سبباً".
ذو القرنين قائد مؤمن صالح جمع بين قرنين، ومن بحثٍ غير منشور سابق رجح لدينا أن القرن في القرآن الكريم هو الحضارة، أو الأمة ذات الحضارة والنفوذ والقوة، وقد يكون ذو القرنين قد جمع بين الأصول اليونانية والإغريقية أو اليونانية والرومانية أو جمع بين حضارتين.

وقد مكن الله لذي القرنين في الأرض؛ ليقوم بمهمته بعد التمكين: "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ". فلا يكون تمكين من الله لأحد إلا لهدف وأمر مرتب محسوب، فيه الإصلاح والتصحيح والإعمار.

وقد مكّن الله لذي القرنين في أرض محددة واسعة معرفة بـ"أل"، وهي الأرض والدولة التي كان في عاصمتها ومركزها، فهيمن عليها وتسلَّم حكمها. وبلا ريب، كانت مملكة تشغل مساحة شاسعة، وقد تكون ممتدة على أغلب ما يسمى العالم القديم، ومركزها في ملتقى القارات القديمة الثلاث "أوروبا وآسيا وإفريقيا".

وآتى الله لأجل ذلك ذي القرنين من كل شيء سبباً، آتاه الأسباب في كل جانب ومجال مطلوب. والأسباب هي السبل إلى القدرات والتجهيزات والإمكانات والمعارف الفعالة المؤثرة النافذة المعدة للوصول إلى هدف معلوم وغاية مقصودة.

"فأتبع سبباً": فأتبع ذو القرنين وجود وتمام هذه القدرات والتجهيزات بالعمل الدعوي المخطط له فوراً ودون إبطاء. وكان عليه، بعد أن مكنه الله في وسط الدولة والأرض فأصلحها، أن يتوجه إلى الأطراف، وأطراف أي دولة هي الأكثر تفلتاً وشططاً.

"حتى إذا بلغ مغرب الشمس" يعني أقصى مكان في غرب الدولة، ويمكن أن يكون شواطئ المغرب أو البرتغال. وقد بلغ هذا المكان؛ أي وصل إلى نهاية الرحلة الدعوية الإصلاحية الأولى باتجاه الغرب وبلغ منتهاها، وفي فعل "بلغ" دلالة الوصول للنهاية.

وهناك وجد مشهداً ووضعاً كان يتلمّسه ويتقصاه ويتفقده وجاء من أجله؛ وهو مشهد القوم الذين ضلوا وعبدوا الشمس، الشمس التي كانت حينما تغيب على هيئة عين حمراء غاضبة يتوجه إليها هؤلاء مستقبلين خاضعين ساجدين.

وفي كل موضع غروب مكشوف ممتد، تأخذ الشمس شكل العين الحمراء الغاضبة: في الوسط قرص الشمس المتسع كحدقة متسعة غاضبة محمرة ومن حوله هالة الشمس ووهجها المتضائل على شكل إطار العين ورسم العين، بخطوط واضحة حول قرص الشمس.

و"العين الحمئة" هي صفة لشكل الشمس في ساعة الغروب كالعين الحمراء الغاضبة، ومن معاني الحمئة: الحمراء من الغضب والساخنة.

وفي وصف شجاعة النبي، قال علي: "كنا إذا حمي البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم".

وعندما تسبق "في" العين الحمئة تعطي دلالة الوضعية والحالة: قال تعالى: "إن الإنسان لفي خسر"؛ أي إن الإنسان في حالة خسر.. "إنا إذا لفي ضلال وسعر"؛ أي في حالة ضياع وجنون.. "أإنا لفي خلق جديد".. "وجدها تغرب في عين حمئة" أي في هيئة العين الغاضبة الحمراء الساخنة.
حتى ما هو تحت الشمس في وضع الغروب بالبحر يكون محمَّراً وكأنه ماء حار متوهج.

ولكن، ما الدلالة على أن القوم الذين وجدهم ذو القرنين هناك كانوا ضالين؛ بل ويعبدون الشمس؟

– مرة أخرى.. إن في استخدام الفعل "وجد" دلالة على أن ذا القرنين قد خرج من البداية يتقصى ويتتبع مَن تركَ عبادة الله وفسد وأفسد، فوجد ضالته في قوم يعبدون الشمس في الأطراف الغربية لمملكته.. تقصى وبحث فوجد.. قال تعالى: "قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً * فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا"، كانا يبغيان رجلاً محدداً ارتدا من أجله يبحثان عنه فوجداه.

– "وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوماً"، هذا هو المشهد بالجملة: قوم يعبدون الشمس ويقيمون طقوس عبادتهم لها وقت مغيبها، وهي تغرب في هيئة عين غاضبة حمراء حارة.

والتوقف لدراسة "عندها" يفضي إلى أن معناها هنا: داخل سيطرتها وهيمنتها وملكها؛ أي إن القوم كانوا مذعنين للشمس وتحت هيمنتها وهي تملكهم وفق عقيدة فاسدة انتشرت بينهم وشاعت وهيمنت.

وفي معنى العندية "عند" نفصِّل:
"إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً". و"عندك" هنا: أي تحت هيمنتك وفي بيتك وملكك ووصايتك وأنت تتولى أمرهما.

"مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ". أي: ما تملكون وتسيطرون عليه.

"وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ". يقولون: سمعاً وطاعة عندما يكونون في مجلسك وأنت بين أصحابك في عزة وهيمنة، وعندما يخرجون عن مجالك ومجال سيطرتك وعزتك يبيّت بعضهم غير الذي تقول.

"وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً". هؤلاء المنافقون يستمعون ساكتين يُظهرون الفهم والقبول، فإذا خرجوا من مكان نفوذك وحضرتك وقوتك "خرجوا من عندك" فإنهم يتجرأون ويُظهرون نفاقهم.

"وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ". أي: لا تقاتلوهم في رحاب المسجد الحرام وحرمه وما حوله؛ لحرمته وحرمة ما حوله بسببه.

"مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ". أي: في حضرته وبين يدي هيبته.

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا". أي: قالوا لو كانوا في حياضنا وفي ملكنا وتحت سيطرتنا وحمايتنا ما ماتوا وما قُتلوا.

وفي أغلب ما ورد من مواضع فيها كلمة "عند" بالقرآن، هناك معنى التفرد في الملكية ومعنى التفرد في الميزان والقياس والتأثير والهيمنة.

ومن كل ذلك يكون معنى "عندها" في عبارة "ووجد عندها قوماً"؛ أي: الشمس استحوذت عليهم وأصبحوا تحت تأثيرها وهيمنتها وأمسوا يعبدونها وفق عقيدة فاسدة انتشرت فيهم وسيطرت.

ومن يبحث طويلاً وعميقاً في التاريخ يجد أن أكثر شيء عُبد من دون الله سبحانه هي الشمس. أما عبادة الأصنام، فكانت وفق عقيدة فاسدة أخرى لا تنكر وجود الله وإنما تجعل إليه وسطاء وأولياء وأوثاناً للوصول والتقرب إليه.. "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ".

أما عبادة الشمس وتقديسها نفسها وما يمتّ إليها بصلة، فهي أقدم العبادات الضالة في الجنس البشري.

وكان أول من عبد الشمس تحت قواعد دينية منظمة هم السومريون والأكديون والكلدانيون فأسسوا المعابد لعبادة الشمس (أوتو)، وسماها الساميون (شمش)، وكانوا يصفون ضوء الشمس بضوء العالم وضوء الآلهة الذي يولِّد الليل والنهار ويهب الحياة ويحمي الموتى، ولأنه ينير الظلمات فهو آلهة العدل.

وبعد أن هيمن الآشوريون على مقدرات وادي الرافدين بأسره أصبح الإله شماش (إله الشمس) الإله المسيطر.
والشمس في الديانة الفرعونية كان يمثلها (آتون-آتوم)، وهو من الآلهة المصرية القديمة، وآثاره على شكل كهل ملتحٍ، ومعبده "عين الشمس".

والشعوب الهندوآرية عبدت الشمس؛ لأنها تُعتبر عندهم مركز النور والحياة، وإله الشمس من أكبر آلهة الآريين، يدين به الهنود والفرس والطورانيون وسادت هذه العبادة نحو 6 قرون، وانتشرت من إيران إلى مصر ورومانيا واليونان ووصلت حتى جزيرة بريطانيا.

وكان الفرس من أكثر الأقوام تطرفاً في عبادة الشمس قبل انتشار الزرادشتية بينهم، وعندما اعتنقوا الزرادشتية أدخلوا فيها تقديس الشمس.

وعندما دخل الرومان في المسيحية أدخلوا إليها تقديس الشمس وتعظيمها على نحو لافت، وأثرت الشعائر الشمسية لديانتهم الوثنية "المِثرا" (Mithra)، التي كانت منتشرة في الإمبراطورية الرومانية بشكل كبير في المسيحية؛ ففرضت الاحتفال بميلاد المسيح في عيد الشمس "الوثني" يوم 25 ديسمبر/كانون الأول، بينما يوم الميلاد الحقيقي هو يوم 6 يناير/كانون الثاني، ورتب بعض القديسين لتغطية هذا الأمر فقال: "المسيح هو شمسنا الجديدة".

وجعل الإمبراطور الروماني قسطنطين، الذي اعتنق المسيحية وأدخل اتباعه فيها، نهار "الأحد"، وهو يوم أسبوعي كان مخصصاً لعبادة الشمس، جعله عيداً وعطلة أسبوعية للمسيحيين، استمر إلى اليوم تحت الاسم Sunday أي يوم الشمس.

وذكر القرآن عبادة قوم سبأ للشمس: "وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُم".

ووجه الجليل لكل الذين فُتنوا بالشمس الأمر: "لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ". وأكبر شيء لفت نظر إبراهيم وهو يتدبر ويتفكر ويتدرج للوصول إلى خالقه كانت الشمس، "فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ".

وفي وقتنا الحاضر، ما زال عَبَدة الشمس يمارسون عبادتهم وطقوسهم؛ بل وثقت الصور المشهد نفسه الذي وجده ذو القرنين: (قوم عند الشمس يعبدونها ويمارسون طقوسهم وهي تغرب في هيئة عين حمئة حمراء).

وقد أُثيرت عام 2015 قضية على العلن في الهند؛ عندما قررت ولاية ماديا براديش بالهند تنظيم تجمهر لتحية الشمس أو ما يُعبر عنه بعبادة الشمس بكل المدارس؛ الأمر الذي أحدث ضجة بين المسلمين وصرحت الحكومة بأن المشاركة في البرنامج ليست إلزامية، إلا أن الطلاب المسلمين شعروا بضغوط للمشاركة، فإذا لم يشاركوا كما يفعل غالبية الطلاب فسوف يشعرون بالعزلة وسيقوم الطلاب الآخرون باستهدافهم في وقت لاحق.

ويُعقد هذا التجمع لتحية الشمس "عبادة الشمس" بشكل مستمر منذ عام 2007 في كثير من أنحاء الدولة الهندية.

وبعدها، فوض الله ذا القرنين لاختيار طريقة التعامل مع الذين ضلوا وأضلوا وأفسدوا، "قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً".

فاختار ذو القرنين العقاب للذين ظلموا فقط والظلم شامل لأنفسهم وعلى قومهم في الإصرار على العقيدة الفاسدة وفي الاستمرار في الإفساد والظلم بسائر نواحي الحياة، " قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً".

واختار ذو القرنين أصل الدعوة ونهجها مع البسطاء الذين خُدعوا وأُرغموا وقلدوا ثم تابوا، "وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً".

وبعد أن جعل ذو القرنين الأمور في استقرار واستقامة بالأطراف الغربية لمملكته، أتبع سبباً آخر، أي توجه إلى طريق الشرق بقصدٍ وترتيبٍ وتخطيطٍ آخر جديد، واستخدام السياق القرآني لـ"ثم" التي تدل على التراخي ينبئ بأن ذا القرنين أكمل ترتيب جهة الغرب بما يستوجب من وقت لازم، قبل أن يُتبع ذلك بالتوجه إلى الشرق "ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً".

"حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً * كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً".. حتى إذا "بلغ"، أي: وصل لنهاية مبتغاه ووصل إلى نهاية مملكته من جهة الشرق، ولم يقل السياق "مشرق الشمس"؛ لأن منتهى جهة المشرق المعتمدة هو نهاية اليابسة من جهة الشرق، ونهاية اليابسة بعيدة للغاية ولا تمتد إليها مملكة ذي القرنين، وهي على الأغلب شواطئ الاتحاد الروسي في أقصى الشرق على المحيط الهادي، فورد في السياق القرآني "مطلع الشمس"، ويعني أقصى نقطة في المملكة تطلع عليها الشمس "شرقاً".

وكان ذو القرنين يبحث أيضاً عن ضالته في الذين انحرفوا وأفسدوا في تلك النواحي، حيث الشمس ساطعة مؤذية لا يصدها عمن هم تحتها غطاء نباتي ولا سُحب كثيفة، ومن هم تحتها عبدوها وفق عقيدة فاسدة تدعو لعبادة من يؤذي؛ دفعاً لإيذائه "كعبدة الشيطان".

وأغلب الظن أن القوم هناك كانوا بصحراء ممتدة أو في مساحات جرداء من هضبة التبت "سقف العالم".

وفعل ذو القرنين هناك مع القوم ما فعله في مغرب الشمس تماماً، وما دلَّنا على ذلك إلا كلمة واحدة وردت وهي: "كذلك"، أي: كذلك كانوا تحت تأثير الشمس ساجدين لها، وكذلك فعل بهم ذو القرنين تحت علم الله وإذنه، "كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً".

وللمرحلة الثالثة لرحلة ذي القرنين الدعوية تدبرات أخرى تُنشر في وقت لاحق إن شاء الله تعالى.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد