باريس التي لا نعرفها

هل تعلم عزيزي القارئ أن باريس سوف تستقبلك بشوارع متسخة أغلب الأوقات؟ (مع الأسف)!، وهناك أيضًا مخلفات الكلاب على الأرصفة أينما ذهبت؟، باريس في الحقيقة ليست مدينة لـ"الماركات" والمحلات الفخمة فقط إنما تستطيع أن تشتري عطرًا من باعة الأرصفة ولذلك لا تفرح كثيرًا إذا جاءتك زجاجة عطر كهدية من باريس.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/11 الساعة 06:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/11 الساعة 06:09 بتوقيت غرينتش

في وسط أوروبا تقع مدينة اسمها باريس، تشغل مكانة مهمة كعاصمة سياسية واقتصادية وتاريخية للجمهورية الفرنسية، إحدى أكبر القوى في التاريخ الحديث، والتي سيطرت على أجزاء شاسعة من أفريقيا ومساحات من آسيا حتى منتصف القرن الماضي.

باريس مدينة تتميز بسمعتها كسوق للموضة والعطور وكمتحف في الهواء الطلق لمجموعة من المباني الشهيرة، لكن عزيزي الزائر، مطار "شارل ديغول" وحده يكفي ليقول لك: "هذه ليست باريس التي تشاهدها عبر التلفزيون".

العمل في الصحافة طيلة السنوات الماضية علمني أن لا شيء حقيقي كما نقرؤه في الصحف أو نشاهده في التلفزيون فالكلمة والعدسة مع خيال المتلقي يشكلون الكثير من المساحات الوهمية حول مكان أو قصة ما والكثير من الجمال لأي شيء هو بعيد وغير ملموس.

من المطار تكشف لك باريس عن صورتها الحقيقية: "باريس ليست فخمة"، نعم، هذه هي الحقيقة فالميناء الجوي الذي يحمل اسم الزعيم الوطني شارل ديغول مغلف خارجيًا "بالباطون" فقط ، وهو بسيط جدًا من الداخل كحال كل المباني الحكومية الفرنسية فالتقشف عنوان باريس، وشعارها "فخامة الاسم تكفي" ببساطة بلدية العاصمة الفرنسية تقول لك عليك أن تستمتع هنا فقط لأنها باريس، أنت في مدينة يرغب نصف سكان العالم على الأقل بالعيش فيها وهم مثلك لا يعلمون أنها تحوي 140 ألف مشرد بحسب آخرِ إحصائية منذ ثلاثة أعوام.

لا يعرفون أن باريس مليئة بشكل لا يتخيله العقل البشري بالجرذان في شوارعها وأن محطة مترو الأنفاق التاريخية والتي تعود إلى العام 1910 تفتقد إلى أدنى مقومات النظافة رغم أن خدمة المواصلات تعتبر ممتازة من حيث تغطية مساحات كبيرة بمدة قصيرة، تتناسب مع نمط الحياة السريع فيها.

هل تعلم عزيزي القارئ أن باريس سوف تستقبلك بشوارع متسخة أغلب الأوقات؟ (مع الأسف)!، وهناك أيضًا مخلفات الكلاب على الأرصفة أينما ذهبت؟، باريس في الحقيقة ليست مدينة لـ"الماركات" والمحلات الفخمة فقط إنما تستطيع أن تشتري عطرًا من باعة الأرصفة ولذلك لا تفرح كثيرًا إذا جاءتك زجاجة عطر كهدية من باريس.

العاصمة الفرنسية ليست المدينة الفاضلة، والصورة الأفلاطونية عن باريس ستمحى في طريقك من المطار إلى الفندق، ستجد الناس يخالفون الإشارات، يقطعون الشوارع دون احترام الممرات المخصصة، يسهرون في كل أيام الأسبوع وليس في السبت والأحد كما يشاع، يضحكون بصوت مرتفع، يأكلون بأيديهم، هم بشر مثلك، لطيفون وممتعون، هنا ينتهي نهار باريس ويبدأ ليلها، الأمطار تغسل الشوارع في معظم الأحيان والمدينة دافئة وحميمية، تدريجيًا تتحول صدمتك في باريس إلى متعة بمدينة شعبية تشبه فطرتك الإنسانية، لا كمدينة فخمة، باهظة التكاليف، تخص شرائح اجتماعية معينة.

الشيء الوحيد الذي تعرفه عن باريس وسوف تجده عندما تأتي هو الحب، هذه المدينة ممتعة لقضاء شهر عسل أو عطلة مع الشريك. في الليل كل المدن تصبح أكثر جاذبية لكن باريس تحديدًا تختلف 180 درجة، هي رخيصة عكس ما يشاع عنها، وصغيرة الحجم أيضًا مقارنة بما يشاع عنها، البعض قال لي إن باريس تراجعت كثيرًا في السنوات العشر الأخيرة وهذا ممكن، لكن باريس اليوم هي المعادل الطبيعي لمدن نألفها ونحبها كـ القاهرة أو دمشق أو بيروت، في حال تطورت هذه العواصم خمسين عامًا أو أكثر.

أخيرًا، تعامل مع باريس كمدينة موجودة على سطح الكرة الأرضية ولا تكوّن عنها أحلامًا وأساطير وبكل تأكيد سوف تعيش الحب بكل ما فيه مع عربات بيع الذرة المشوية والخضار المتواجدة في محطات المترو، مع المتسولين من كل الجنسيات، ومع النبيذ الذي يصعب تذوقه خارج فرنسا، ولا تنسَ أن تزور باريس ليلًا.

– تم نشر هذه التدوينة في موقع ألترا صوت

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد