الثقافة روايتين مشهورتين والمثقف صورتين ع الفيس بوك والإنستغرام واقتباسين؟!!
"ثقف السيف، أي: قوّم اعوجاجه، والمثقف هو السيف الذي لا ثلم فيه".
كانت الثقافة قديماً حكراً ضيقاً على الخاصة والنبهاء من ثَم في عصور تلت أتيحت لفئات أخرى وأوسع وبظروف متعددة، وصولاً للقرن الماضي القرن العشرين، وما قبله قليلاً، حيث أصبحت ترفاً بورجوازياً واعتباراً بروليتارياً، وانتهت أو تكاد بهذا المعنى في القرن الحالي القرن الواحد والعشرين، بكل ما فيه من جديد، ومنذ تفردت بمعنى خاص بها كانت وما زالت حاجة بشرية وتميزاً بشرياً، تحمل الثقافة من المعاني الكثير لغةً واصطلاحاً مذاهباً ووجهات نظر وآراء ومدارس وتيارات وحركات قديماً وحديثا،
وعلى مر رحلة الإنسان ويتبعها اسم المثقف وصفة المثقف المشتقة من الثقافة، والتي تحمل فيما تحمل من معان جملة الأفكار والتراث والأديان والمعتقدات والعادات والتقاليد وأنماط الحياة والسلوك والتاريخ الذي يخص شعباً أو جماعة في جغرافيا محددة، والتي تتمدد بحكم ما يضاف لها مع مرور الزمن، وتفقد ما يندثر منها ويضمحل إلا لدى الباحث والمنقّب في تاريخها، وهو توصيف مهم يبنى عليه موضوعنا، بالإضافة إلى معنى آخر وهو اعتبار الثقافة والمثقف تحضراً وعقلانية، والتحضر هو اللحاق بأكثر مظاهر العالم والبشرية تقدماً لغة ومفردات وتعابير وأفكاراً وأنماط سلوك وطريقة تفكير، إما بكثرة الترحال والسفر، أو بالقراءة غير المنقطعة لآداب شعوب البلدان المتقدمة، وحديث أدبها ونتاجها المعرفي.
أما العقلانية فهي التعقل، ورد كل قضية وأمر للتعقل، والعقل الحر الطليق من كل قالب وقيد ومسار، ومنهجية العقل الذي يملك الأدوات للنظر منعتقاً من كل مرجعية وسند ونهج وجملة معرفية ثابتة، وتحمل الثقافة المعنى الدارج، وهو محل موضوعنا، المعنى الذي يقصد به الكتب والقراءة شراء الكتب واقتناءها وحملها وتعاطيها وتداولها، بما تحمل من أفكار. والقراءة التي تبدأ ممن يتمكن من فك رسوم الحروف ولفظها، وهؤلاء يسمون أشباه الأمّيين قد تلقوا تعليماً في الكتاتيب، أو انقطعوا عن التعليم في المراحل المدرسية المبكرة ما دون عمر الخامسة عشرة، بحيث يستطيعون قراءة الصحف والمجلات وشرائط الأخبار واللوحات الطرقية والإعلانات بدرجة معرفية بسيطة جداً.
وكلما زاد العمق عادوا أُميين تماماً لا يدركون ماهية الكلام، ويندرج في هذه الفئة أيضاً مَن أتم تعليمه المدرسي، ومَن بدأ تعليمه الجامعي ولم يتمه، وهم أيضا ذوو كفاءة في القراءة وتحصيل علمي غير مكتمل وناضج في تخصص جامعي، ما يمهد لهم الأرضية المعرفية لخوض المواضيع المعرفية بسطحيتها وعمقها وتحليلاتها عند التعرض لها في كتاب ما أو مادة سمعية أو بصرية أو سمع بصرية ما، ويليهم المتعلمون ممن أتموا تعليمهم الجامعي، واقتصروا على الكم المعرفي الذي نالوه خلال فترة دراستهم من ثم يأتي المتعلمون أصحاب القراءات الهاوية والسطحية،
بهدف إزجاء الوقت والتسلية والتقليد، أو التمظهر والظهور، فرواية مشهورة من هنا وكتاب معروف من هناك ومواضيع متشتتة غير موجهة بالاتجاه الصحيح لكل فرع معرفي، ولكل قيم من الكتابات والمؤلفات المركزية والمحورية في ذلك موضوع فيكون الناتج فهماً مرقعاً مشوشاً تائهاً قاصراً غير محيط بلب وتلابيب الموضوعات، ولذلك سُموا بأنصاف المثقفين ممن يملكون جملة من العناوين والأسماء والتعريفات المبدئية والعرض السطحي للموضوعات، ولأشهر من كتب فيه وكفى، ويغيب مبنى الموضوع وهيكليته وعناصره وعمقه وإسقاطاته واتجاهاته؛ لنصل لفئة المثقفين التي هي أساس مقالنا، ولا شك أنه يتجاوزها معرفياً فئة المفكرين والباحثين والخبراء، ولا يتسع المقام لعرضها،
أما عن المثقفين فهم المتعلمون مَن أتموا تعليمهم الجامعي، واستفاضوا في القراءات، بحيث أحاطوا بجملة من المواضيع إحاطة جيدة، وامتلكوا القدرة على التحليل والجدل المنطقي لمعالجة كل فكرة ونقضها فلا يكون كالكأس وعاءً للملء فقط، واليوم يحضر المثقف والثقافة على صفحات التواصل الاجتماعي بشكل الكتب وجمعها وتداول محتواها، بكثير من السطحية وقليل من العمق لغياب الأرضية المعرفية التي ذكرت للأسف، فتكون نقاشات غثة وسطحية، وتنفق الأموال على شرائها وامتلاكها، والإعلان عن امتلاكها وحيازتها، أو بمطالعتها المطالعة شبه الأمية التي لا تملك أدوات التحليل والتركيب والجدل المنطقي بناءً على الأرضية المعرفية المحيطة، فلا يستطيع القارئ غير ترديد محتوى الكتاب،
إذا تأتى له استدراك بعض ما قرأ فيه، ويغيب المثقف والثقافة ككم معرفي حقيقي وعميق، وأدوات تفكير، ومعالجة فكرية ونقد وجدل منطقي، ونمط حياة عاقل عقلاني، وتحضر مُنتقى في قيمه، وليس أعمى مقلداً ومحاكاة بلهاء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.