الوصول إلى الله.. و3 طرق

الله تبارك وتعالى هو الحقيقة الكبرى والموجود الأسمى، وقد فُطرنا نحن البشر على السعي ناحيته والتقرب منه، فلا ترى مجتمعاً بشرياً على وجه الأرض إلا وفكرة عبادة معبود هي من أهم الأصول التي بُني عليها، ويبقى الإلحاد استثناء نادراً في تاريخ البشر وأكثر ندرة في تاريخ المجتمعات والبلدان.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/03 الساعة 03:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/03 الساعة 03:10 بتوقيت غرينتش

الله تبارك وتعالى هو الحقيقة الكبرى والموجود الأسمى، وقد فُطرنا نحن البشر على السعي ناحيته والتقرب منه، فلا ترى مجتمعاً بشرياً على وجه الأرض إلا وفكرة عبادة معبود هي من أهم الأصول التي بُني عليها، ويبقى الإلحاد استثناء نادراً في تاريخ البشر وأكثر ندرة في تاريخ المجتمعات والبلدان.

الناظر إلى تاريخ الحياة وتاريخ البحث عن الله، يجد أن الجميع قد آمنوا بوجوده، لكنهم اختلفوا في تعيينه وتوصيفه، إلى الحد الذي جعل بعضهم؛ وبعد الوصول إليه يشتّ في تعيينه ووصف ذاته إلى الحد الذي يجعله أكثر بعداً منه من قبل الوصل إليه.

وللوصول إلى الله طريقان وثلاث طرق؛ طريقان قبل معرفته والإيمان به، وثلاث طرق يترقى الإنسان بها في رحلة الوصول إليه، ولكن بعد الإيمان به ومعرفة كنهه وذاته.

وذلك يعني أن الطريقين الأولين هما لإثبات وجود الله وتعيين وصفه وكنهه، والثلاث طرق الأخرى هي لتحديد كيفية الوصول إليه والسير ناحيته والاطمئنان والسعادة في كنفه وجواره.

أما الطريقان؛ طريقا معرفته وتعيينه، فهما طريقا العقل والوحي ولا ثالث لهما.

فأما طريق العقل فهو طريق النظر العقلي المنطقي الفلسفي الحر الذي يحاول أن يفسر الحياة بكل أبعادها، ومن أهم هذه الأبعاد بُعد الخالق الناشئ لهذه الحياة وما فيها من كليات وجزئيات وعلاقات وتشابكات بينها.

وهذا هو طريق الفلاسفة ومن سار على دربهم، وقد وصل بهم هذا الطريق -أو بأغلبهم- إلى الإيمان بوجود الإله، ولكنهم ضلوا بعد ذلك ضلالاً بيّناً في وصفه وتحديد كنهه ومراده.

وأما طريق الوحي فهو طريق الأنبياء وأتباعهم، وهو طريق الله الذي وضعه وارتضاه لعباده وخلقه، وذلك لعلمه أن عقولهم -وهو خالقها- ستكون عاجزة عن تمام الإحاطة به، ومعرفة مراده ومقصوده منهم.

وأما عن طرق الترقي في الطريق بعد معرفته وتعيينه فهي طرق العقل والقلب وعمل الجوارح.

فأما عن طريق العقل، فهو طريق أرباب العقول المؤمنين بالله إيماناً معتمداً على الوحي الذي سبق من الله إلى نبيه، فهم ينطلقون من منطلق إيماني ثابت بالوحي، ثم يطلقون بعد ذلك العنان لعقولهم لتشرق وتغرب في هذه الرحلة بغية الوصل والإيصال إلى الله.

وهم يختلفون اختلافاً جذرياً عن أمثالهم الفلاسفة أرباب التفكير العقلي الحر غير المهتدي بهدي ولا المنطلق من أي مسلّمات قبلية، ولذلك فإن نتاج هؤلاء العقلانيين من المؤمنين نتاج منضبط في النهاية بضابط الوحي غير متعدّ لحدوده ولا سياجه.

ونستغرب من حال فلاسفة الإسلام هؤلاء؛ حيث إنهم وإن أبدعوا في مجالاتهم الفكرية والعقلية التي ساهموا بها في خدمة الدين كأعظم ما تكون الخدمة، إلا أن سلوكهم يظل في بعض نواحيه بعيداً عن هدي هذا الدين وإرشاده.

فهذا مفكر إسلامي كبير يتحدث المتحدثون عن بعض أفعاله البعيدة عن هدي الإسلام، وعن تقصيره في العبادات والمناسك.

ومفكر كبير آخر، وبرغم إيمانه بالمرجعية الإلهية والدفاع عنها حتى أصبح فيلسوفاً كبيراً من فلاسفتها، فإن زوجته قد بقيت متبرجة حتى وفاته وما زالت، وقد ذكر ذات مرة أنه يحب عروض الأزياء ويحب متابعتها.

وفيلسوف إسلامي كبير آخر، يذكر مرة كلاماً يوحي بأنه يقدر رقص الباليه كفن من الفنون التعبيرية الجميلة.

هؤلاء أناس قد اتخذوا العقل وحده مطية في رحلتهم ناحية الوصول إلى الله، فاختلت الراحلة بهم في بعض منعطفات الطريق.

وأما عن طريق القلب فهو طريق مليء بالسالكين، وكما اصطلحنا على تسمية أهل العقول بالفلاسفة والمفكرين، فإن أرباب طريق القلوب قد اصطلحنا على تسميتهم بالمتصوفة، وهم أناس رأوا أن أفضل الطرق في رحلة الوصول إلى الله طريق القلب والوجدان والذائقة.

وهؤلاء أيضاً لم يعبأوا كثيراً بالطرق الأخرى، وإنما كان جل اهتمامهم بالقلب وحاله وشعوره وذائقته.

وهذا الطريق أيضاً طريق قد اعتوره بعض من الخلل في بعض منعطفاته ومحطاته، وقد وصل ببعض أتباعه إلى قدر من الشطط لا يقل عن الخلل الذي أصاب بعض أرباب طريق العقل، بل يزيد.

فرأينا أقطاب الطريق الصوفي القلبي يقولون بالحلول والاتحاد، ويقولون بالفناء، ويقولون بسقوط التكليف مع الوصول، وغير ذلك من السقطات التي أتى بها عليهم طريقهم القلبي الذي لا يهتدي بعقل ولا يقيم كثير اهتمام لعمل الجوارح.

وأما عن طريق عمل الجوارح فهو طريق سلكه المتعبدون، الذين صاموا نهارهم وقاموا ليلهم ولهجت ألسنتهم بذكر الله.

وقد أودى ذاك الطريق أيضاً ببعض أتباعه، ولنا في التدليل على ذلك قصة الخوارج، فهم قوم كانوا من أعبد الناس وأكثرهم تنسّكاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم: (تحتقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وقراءتكم إلى قراءتهم)، ولكنهم على الرغم من كل ذلك وقعوا فيما لم يقع فيه غيرهم، وكفّروا عموم الناس وحاربوا جماعة المسلمين، وقال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة).

والذي أودى بهم هو طريقهم العبادي الذي لم يعطِ للعقل حقه، وكذلك للقلوب وخطراتها ومواجيدها، فلقد كانوا كما قيل من أغلظ الناس قلوباً.

إذن نحن إزاء طرق ثلاثة (العقل، والقلب، وعمل الجوارح)، وكلها طرق لا تصل بصاحبها تمام الوصول ولا تقيه من العثرات، إذا ما انفردت كل واحدة منها غير عابئة بغيرها من الطرق الأخرى.

ولا سبيل للوصول الآمِن إلى الله إلا بطريق يجمع بين هذه السبل الثلاثة؛ لتكون طريقاً واحداً يجمع فيها السالك بين عقله وفكره وتجلياته، وقلبه وحاله وخطراته، وعمل جارحته ليصدّق بها على معتقداته وغاياته، وهذا هو طريق الأنبياء الذي شرعه لهم ربهم باصطفاءاته وعطاءاته.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد