ماذا علّمني الوطن؟

ولعل جملته هذه بالتحديد تحيلنا إلى ما يحدث الآن ببلداننا العربية جراء الصراعات الطائفية وسباق الكراسي والسلطات الذي حصد في طريقه ملايين الضحايا وشرد ملايين أخرى؛ إذ صاروا بين ليلة وضحاها بلا أرض بواسطة أولئك الذين أصبحوا بلا ضمير.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/16 الساعة 05:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/16 الساعة 05:38 بتوقيت غرينتش

لم يكذب رئيس وزراء بريطانيا السابق "ونستون تشرشل" حينما قال: "الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات، وتسقى بالعرق والدم".

ولعل جملته هذه بالتحديد تحيلنا إلى ما يحدث الآن ببلداننا العربية جراء الصراعات الطائفية وسباق الكراسي والسلطات الذي حصد في طريقه ملايين الضحايا وشرد ملايين أخرى؛ إذ صاروا بين ليلة وضحاها بلا أرض بواسطة أولئك الذين أصبحوا بلا ضمير.

وأنت تقرأ هذه الكلمات، جالساً في زاوية غرفتك أو في حديقة وحتى في مكتبة عمومية، تذكر أن هناك من يصارع لكي يجد ملجأ يقيه حر الصيف وزمهرير الشتاء، يقاوم به قسوة الهجرة التي فرضت عليه، يحميه من وجع الغربة التي نزلت عليه قطعة ثلج باردة لا يعلم لها أولاً مِن آخر.

إن الذنب الوحيد لمثل هؤلاء أنهم يؤدون ضريبة عشق الوطن والدفاع عنه، كما يفعل معظمنا اليوم، فـ"الوطن" مفردة تتردد في أذنيك باستمرار، درسونا إياها في المدرسة منذ أول خطوة وطئت قدمنا إياها هذا المبنى، قالوا إن حبه من الإيمان، فشكل "الوطن" الركن السابع لإيماننا، تعلمنا الذود عنه بضراوة، أن نفديه بأرواحنا، أن نطبق ما تقوله آخر جملة من النشيد الرسمي التونسي: "نموت نموت ويحيا الوطن!".

تخيلت وطني شخصاً عجوزاً يحمل عصا قاسية، يضرب بها رأس كل من سولت له نفسه المس بنا، رأيت صورته وسط ذاك العلم المرفرف عالياً، صنديداً يقاوم الرياح العاتية بشدة، أشتم رائحته لما أعانق ابن بلدي ونحن ضيوف في بلد آخر، أسمع صوت وطني حينما تعزف سيمفونية نشيدنا الوطني.

رغم ذلك لم تتغير صورتي للوطن، فهو الذي علمني كيف يكون الانتماء، وهو الذي أراني كيف يكون للاشتياق والحنين معنى، أنظر للأماكن والشوارع، الورود، الأهل.. فيتبين لي وطني، إنه ذاك الخليط من الأشياء، من الأحاسيس، من المشاعر، الوطن هو الذكريات، هو الزمكان الشاهد على ولادتي، بكل بساطة الوطن هو أنا.. وأنا هو الوطن.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد