في فترة من الفترات كنت أعتقد أن الزيجات التي كنا نشاهدها في مسلسل "باب الحارة" ومسلسلات البيئة الشامية القديمة هي في حقبة انتهت، وأن الزمن أكل عليها وشرب كما يقال، إلا أن هذا الاعتقاد تلاشى مع احتكاكي أكثر في المجتمعات البعيدة عني نوعاً ما؛ إذ ما زال حياً بين عوائل تمسكت بالتقاليد القديمة، وعوائل دفنت تقاليدها لكنها احتفظت بهذا الاعتقاد!
يسألني صديق: ما هو طلبك؟ وآخر يحكي لي أن أسأل هنا وهناك، أما الثالث، فيرى أنني لم أجد المواصفات التي أريدها بعد، بالطبع لا أتحدث عن سلعة أو حاجة أحتويها على الرف، لكن تلك الحالات الثلاث تصور لك ذلك، تصور لك عن الزواج التقليدي وكيف يتعامل مع الطرف الثاني على أنه شيء كأنك تبحث عنها في السوق، لا عن شريك بالحياة، في السراء والضراء يؤنسك في لياليك الوحيدة، ويكون عوناً لك في ساعات المحنة، شريكاً لك في كل شيء، تبحث عنه ليشاركك إياها حتى الممات.
يقول صديق في أثناء دردشتنا على الهاتف، أنت تريد أن تحيا قصة حب كما لو في المسلسلات، هكذا ستهرم دون "أن تجد طلبك"، لم أتعاطَ معه كثيراً هرباً من جو السخرية آنذاك ربما، لكن ما الغلط في ذلك؟ ولماذا نصور ذاك (الحب) غلطاً في الأساس، نحن كبشر جميعنا يمتلك عاطفة تحركه.
حتى إننا جُبِلنا على العواطف، فمن منا لا يتأثر بفعل حسن فلا ينساه، أو كلمة سيئة، يظل يفكر فيها طيلة أيامه فلا ينساها مثلاً.. أليست هذه عواطف؟ نعم، صدّقني.. وحتى أشد الناس قسوة، ستجد في قلبه جانباً وعالَماً من العواطف التي لا يبديها لك، فلِمَ لا تحيا قصة الحب تلك، تحياها حقيقيةً كما في الأفلام والمسلسلات وتعيشها بحذافيرها لحظة في لحظة، تجعل منها واقعاً تعيشه؟ فحياتنا تماماً كالأفلام إن شاهدتها من بعيد.
لم لا تبحث عن ذاك الشريك الذي تحبه وتشعر بأن كل شيء فيك يحبه، تحب جنونه، ابتسامته، حتى حزنه ووجهه الحزين يجعلك تنادي باسمه وتعود لتراه؟! لم لا تبحث عمن يكون سنداً لك، ترى صورته في وجوه الناس في أحلام اليقظة، في رؤية عابرة، ثم تعود للواقع لتجد قلبك يحبه بالفعل، وأن قلبك امتلك أمرك، وصار يفكر فيه بدلاً عن عقلك تماماً كالأفلام… وإن أكملت حياتك برفقته، تشعر بأن كل يوم جديد معه هو يومك الأول؟
الزواج التقليدي ملعب يخسر فيه كلِا الفريقين لذة تلك العواطف، صحيح أن الحياة به ستستمر وتنجح، وقد يتشكل الحب من بعده (غالباً)، لكنه زواج بُني على استشارة كما لو كانت سلعة لا كما لو تحركت القلوب وكانت عند بعضها، وربما كانت حالات كثيرة منه ناجحة، لكنني تأكدت من ذلك من نصيحة صديق كان سيخوض هذه التجربة بحكم ما وجد عليه مجتمعه، فتوقف وتراجع ثم ندم ونَصح!
صحيح أن كِلا الطرفين قد يعيشان في وفاق بعضهما مع بعض، لكن بِذرة هذا الزواج التي جاءت عبر السؤال ستؤدي إلى زلزال سينزع تلك العلاقة من بينهما، أو أن علاقتهما ستكون هشة ضعيفة.. عند أبسط اختبار.
يا صديقي، ابحث عمن اختاره قلبك ليكون شريكاً لك، ولا تسمع كلام الآخرين؛ لأنه حينها سيعميك قلبك عن كلامهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.