اختلاف أساليب التربية بين الأبوين مضر بالأبناء

دُعيت مرة لعشاء عند عائلة هولندية، كنا قد انتهينا للتو من العشاء، وتحلقنا حول الطاولة نأكل بعض الحلويات والفواكه، عندما سأل الطفل أمه إن كان بإمكانه الحصول على قطعة أخرى من الحلويات، ردت بالموافقة

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/31 الساعة 09:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/31 الساعة 09:06 بتوقيت غرينتش

ما أطلبه وأرجوه في المقابل من الآباء وبشدة، هو التخلي الكامل عن سياسة شد الحبل وإرخائه من قِبل الأبوين؛ لأنها مضرة بالأبناء، والوقوف بدلاً من ذلك معاً في خط واحد.

دُعيت مرة لعشاء عند عائلة هولندية، كنا قد انتهينا للتو من العشاء، وتحلقنا حول الطاولة نأكل بعض الحلويات والفواكه، عندما سأل الطفل أمه إن كان بإمكانه الحصول على قطعة أخرى من الحلويات، ردت بالموافقة.

أمسك الطفل القطعة ورماها في فمه بسرعة خارقة، في تلك اللحظة انتبه الأب لما يحدث ووجّه كلامه لزوجته قائلاً إن ابنهما سأله قبلها نفس السؤال عندما كانت هي مشغولة بجلب بعض الأغراض، لكنه لم يسمح له.

ما راعني في تلك اللحظة إلا والأم تدخل يدها في فم الطفل وتسحب القطعة مفتتة من بين أسنانه وهي تقول: إذا أخذت جواباً من أبيك، لا تسألني مرة أخرى؛ لأن جوابه هو جوابي.

ذهلت من قساوة المشهد وسرياليته، وأحسست بشيئين متناقضين في نفس اللحظة: من جهة تألمت لمنظر الطفل وأمه تدخل أصابعها بالكامل في فمه، وتشد شدقيه ساحبة بقايا الحلوى من فمه، في حين احمر وجهه وتناثر لعابه، ودمعت عيناه (لكنه لم يبكِ) ومن جهة شعرت بصرامة التربية وجديتها وقسوتها في أحيان كثيرة على الأبناء والآباء على حد سواء، من أجل إيصال معلومة مهمة ورئيسية مفادها "أنا مسؤول عن تربيتك، وهي مسؤولية كبيرة وقاسية فدعني أقوم بها بالشكل المناسب الذي يجعل منك رجلاً صالحاً أو امرأة صالحة وساعدني في ذلك".

واحد من أكثر العوامل المعرقلة لعملية التربية داخل الأسرة هو اختلاف الأب والأم حول مناهج وأساليب تربية أبنائهما، كأن تتصف هي باللين والرفق، في حين يتصف هو بالشدة والصرامة، وهو الأسلوب الذي اُعتبر لسنوات طويلة الأمثل؛ لأنه يراوح بين القسوة واللين واللطف والشدة، ويطبق سياسة "شد الحبل وإرخائه".

يُفترض بعملية التربية أن تكون بديهية سلسة ومسيرة لنفسها، وهي في الحقيقة ليست أكثر من الأفعال وردود الفعل التي تنتج بين أفراد الأسرة الواحدة.

كل فعل يستوجب رد فعل واحداً مطابقاً له في القوة والعمق، فإذا نتج عنه ردا فعل مختلفان، اختلط الأمر على الأبناء والتبست عليهم الرؤية وفقدوا الاتجاه، فأي الأبوين صحيح في هذه الحالة؟ لمن يستمعون؟ من هو القائد؟ لمن يكون ولاؤهم؟ وغيرها من الأسئلة المحيرة التي تبدأ في شق طريقها إلى عالمهم الصغير إلى أن تقسمه نصفين، وتُحدث فيه خللاً غير قابل للعلاج.

عدم الاستجابة للأوامر والنصائح، وعدم الالتزام بالقوانين واللوائح الداخلية للبيت، وعدم ترتيب الغرفة ورفض الأطعمة، والدخول في حوارات طويلة ومرهقة، والانفعال الزائد، هذه بعض العلامات القليلة والأولية على أنكما كأب وأم تواجهان مشكلة تربوية في التعامل مع أبنائكما. ورغم أن الجميع يمر بمواقف ومشاكل من هذا النوع فإن استمرار هذه العلامات لفترة طويلة يحتاج من العائلة الاعتراف بأنها تواجه أزمة حقيقية وجدية في تربية أبنائها، وهي أزمة تربكها وتشعرها بالعجز وعدم الثقة وتهز من أمنها وسلامتها، وقد يكون السبب الرئيسي في ذلك هو تفاوت واختلاف أساليب التربية وردود الفعل بين الأبوين.

لا أطلب من الآباء أن يدخلوا أصابعهم في أفواه أبنائهم، ولا أرجو أن يصل الأمر إلى هذا الحد، لكن إذا وصل فعلاً، فلا مفر ساعتها من التحلي ببعض الشجاعة والصرامة لإنقاذ العملية التربوية من السقوط في الاختلاف والإسفاف والتناقض.

ما أطلبه وأرجوه في المقابل من الآباء وبشدة، هو التخلي الكامل عن سياسة شد الحبل وإرخائه من قبل الأبوين؛ لأنها مضرة بالأبناء، والوقوف بدلاً من ذلك معاً في خط واحد، واتخاذ موقف واحد ورد فعل واحد من تصرفاتهم؛ لأن في ذلك رسالتين مهمتين أو أكثر: الأولى أن الأب والأم متفقان ومتناغمان وهو ما من شأنه أن يشعر الأبناء بالأمان والسعادة، والثانية أن عملية التربية ليست عملية عشوائية تخضع لأهواء ومزاج الأب أو الأم، ولكنها منهج دقيق مبنيّ على الفعل ورد الفعل المناسب، وهو في كل الأحوال رد فعل واحد لا يقبل الاختلاف.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد