الكثير منا لا يعرف السوفت وير والهارد وير، وبمقاربة بسيطة سأقول لكم:
لو لدينا صندوقان من الخضار، ولدينا سكين ولوح خشبي لتقطيع الخضار، فالصندوقان هما الهارد، واللوح الخشبي هو الرامات أو الذواكر، والسكين التي تأتي بالخضار وسرعة التقطيع هي الأداء، وهكذا يمكننا أن نتخيل الكمبيوتر، فالمعلومات هي الخضار، واللوح الخشبي هو الرامات، والسكين والشيف هما سرعة الأداء، فإذا أردنا رفع كفاءة الذواكر (لوح الخشب) لنفرم كمية معلومات (أكثر) يجب أن نقوم بشراء لوح أكبر (رامات أو ذواكر) وأفضل لو حسّنا الأداء (الجيل)، وأتينا بسكين أكبر وشيف شاب (كور 3 أو 5 أو 7) وحبّذا لو شيف له أربع أيادٍ (رباعي النواة)، فالقطاعة والصناديق واللوح هي الهارد وير والخضار، وسيستم تنظيم العملية هو السوفت وير، لكن ماذا عن الإنترنت؟!
في الإنترنت توضع المعلومات (الخضار) في الصندوق الكبير (الهارد الأساسي) في أميركا، وبالتالي مستودع الأمانات لمعلوماتك وإيميلك وحسابك على الفيس وتويتر وغيرها، كله موجود عند أميركا، ويملك صلاحية الاطلاع عليه وتنظيمه صاحب النطاق الذي امتلكت عنده الحساب، والذي اشترى حجماً من الصندوق الأكبر ليضع معلوماتك وصورك وفيديوهاتك لديه في الأمانة، مثلاً الفيس لديه قدرة على الاطلاع على معلومات حسابك، وهكذا دواليك.
إلى هنا الحديث تمام، لكن لم يتوقف الموضوع عند هذا الحد فكل صورة تقوم أنت بتحميلها أو فيديو، يدفع الفيس ومواقع التواصل ثمناً لها لتوضع عند الصندوق الأكبر، أي عند الهارد الأساسي، فالخضار تستهلك حجماً وتبريداً عند قسم الأمانات الأكبر في أميركا!
تخيل أنك لتحصل على مساحة 5 غيغا لتنشئ لنفسك موقعاً عليك دفع حوالي 100 دولار، وهذه تعادل 5 أفلام كاملة، والبعض مثلي لديه فقط على الفيس صفحات وحسابات (وكذلك مواقع التواصل الأخرى المجانية) ما يعادل 100 غيغا، حتى إن المواقع الآن باتت تتنافس لتقديم سحابات تخزينية مجانية تصل إلى 15 غيغا، فأين مصلحتهم ليدفعوا هم ثمن رفاهيتك، ولتحصد شركات الاتصال أرباح الدخول إلى الإنترنت؟!
الجميع الآن يلعب لعبة جمع البيانات؛ حيث أصبح الإنترنت جهاز الاستخبارات العالمي الذي نقوم نحن بتزويد الدول العظمى به تلقائياً ولا شعورياً عبر تحميل الصور والمعلومات، هذه الخوارزميات الجديدة جعلت الدول الاستعمارية تتخلى عن حلفاء عملت سابقاً الكثير لزرعهم وتنصيبهم ليتولوا جمع المعلومات ومعرفة طرق التفكير وسلوكيات الشعوب التي تهددهم، لقد قدم الإنترنت لهم داتا هائلة DATA تنظم إلى إنفورميشن INFORMATION ثم يتم البناء عليها لقرارات واستراتيجيات، وكأمثلة قريبة للواقع:
انتشر خبر قبل أيام أن إسرائيل تستخدم السيلفي والصور المنتشرة على صفحات المقاومة لتحديد المواقع والشخصيات ونجاح الضربات، وهي تقدم لها الكثير حتى في سوريا (على حسب تعبيرهم)، وأيضاً ألمانيا أنشأت جيشاً إلكترونيا، ولم يكن بن لادن يستخدم الإنترنت أو اللاقط كي لا يحدد موقعه، وفي كوريا الشمالية الإنترنت ممنوع، فكوريا مجهولة من الداخل كما إيران، التي لها شبكة إنترنت خاصة بها غير موصولة على الهارد الأساسي الأميركي، بالإضافة إلى اللغة الفارسية التي تعتبر حائط سد منيعاً أمام الهجمات اللينة الإلكترونية، وكمثال آخر على بناء الميزة الإنترنتية الوطنية روسيا وتركيا، فكلتاهما لها تطبيقات تواصل اجتماعي خاصة بها، ولها رواج كبير بين الشعبين، لدرجة أن البعض لا يعرف غيرها، وبعضها باللغة الخاصة بالبلد فقط، ولا يمكن الدخول إليها بدون معرفة اللغة.
فخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت كبيرة ويمكن الاعتماد عليها لبناء خطط ودراسات جدوى، وأيضاً حشد ودعم وتأييد ومناصرة للقضايا، أيضاً معرفة سلوكيات الشعوب.
ليست إلى حد الكمال، لكنها تستخدم كأداة مساعدة، ومَن لا يدرك ذلك فهو مخطئ ويحرم نفسه الكثير، فأنت عندما تتوقف أثناء تصفحك على منشور، فإنه يسجل لدى الموقع نقطة، أما إذا قمت بتكبير الصورة والاطلاع على تفاصيله فيسجل 3 نقاط وإذا رافقه رابط وضغطت عليه فلك 5 نقاط، وهكذا بعد نشر صورة معينة أو خبر ومراقبة النقاط عبر الزمن تكون ساهمت ببناء خوارزمية الصورة، التي تكون منتجاً، وبالتالي حددت فيما إذا كان هذا المنتج سينافس الآخر، وإذا كان خبراً ستسهم ببناء خوارزمية (من المهتم بهذا الخبر)، وهكذا، ولدى نشرك لرسائل عبر الواتساب دفعة واحدة، وخاصة التي تحمل معنى المسامحة أو المعايدة، فأنت لا إرادياً زودت الشركات بشركائك، وعندما تتابع برنامجاً على التلفاز أو ببث مباشر عبر الإنترنت، تستطيع الشركات تحديد العينة المجتمعية التي اهتمت بالموضوع وأين توضع، وهكذا.
بعد هذا الكلام هل أترك الإنترنت؟!
لا لن تستطيع، ولن تستفيد، فالأمور انتهت والموضوع تم على أكمل وجه، لكن علينا أن نفهم الخوارزميات الكبيرة التي نحن فيها، وإلا نتفاجأ بويكيليكس عربي، وعلينا تسخير ما لدينا وبناء شبكاتنا، واستخدام هذه الأدوات التي لدينا لمعرفة سلوكيات من حولنا وليكون لنا أداة توقع، سياسي أو تجاري أو ثقافي أو منافسة أو لدراسة الجدوى، وعلينا تحصين أنفسنا وأولادنا وشعوبنا من حمى جمع البيانات، التي أيضاً يجب أن نتعلمها ونتعلم استخدامها، وإلا نبقى أميين معلوماتيين، وإلا نعتبر اقتصاد الإبهام (حيث إن الجولات تعتمد بشكل أساسي على الإبهام) شيئاً جديداً للمراهقين فقط، فالبرمجة والمعلوماتية أصبحت واقعاً علينا تعلمه وإتقانه، وإلا بقينا مستهلكين لبضاعة لا ندفع ثمنها، وبالتالي نحن البضاعة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.