لا تصرخ في وجهَيهما

وبما أنه المصدر المادي الوحيد لهما فإنهما مجبران على السكوت وتنفيذ الأوامر والانصياع لرغبة الأولاد بكل الأمور، سواء كانت صحيحة أم خاطئة؛ لأن سلطة المال هي السلطة الأقوى ولا مجال للأهل لممارسة سلطتهم كآباء

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/18 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/18 الساعة 02:04 بتوقيت غرينتش

ما أصعبَ حاجة العبدِ للعبد، والأصعبُ هو إذلال المحتاج، فكيف إذا كان والداك مَن هم في حاجتك؟

جرت العادة أن يقوم الوالدان برعاية الأبناء، وتلبية متطلبات الحياة الأساسية وحتى الرفاهية، دون أي فضل أو مِنّة أو مقابل، ودون إشعار الأولاد بأنهم عبء ثقيل عليهما.

كما يمضي الأب والأم كل حياتهما بحثاً عن توفير المال بشتى الطرق والوسائل، ويصبّان جُلّ اهتمامهما وتفكيرهما في مستقبل أطفالهما، كيف سيكون؟ وإلامَ سيؤول؟

يقوم كلٌّ من الوالدين بدوره المعتاد، ويتقاسمان الأدوار الرئيسية؛ فالأب عادة هو المعطاء الشجاع الناصح القاسي المتزن وصاحب القرار في المنزل، والأم هي الصدر الحنون وبيت الأسرار والمربية الفاضلة، والموجهة الأولى في الحياة.

يرى الأبناء أن كل ما يقدمه لهم والداهما هو واجب عليهما، ولا داعي لتقديرهما أو شكرهما عليه؛ لأنها سنّة الحياة؛ أن نتزوج وننجب أطفالاً، ونسعى لتربيتهم أفضل تربية، ونعلمهم أفضل تعليم، ثم إنها دورة متكررة، فكما رباهم آباؤهم سيكبرون ويتزوجون وينجبون، وتكرر الحالة نفسها، لكن هناك نقطة مهمة قد يغفل البعض عنها، هي "هل قدم لك أبواك كل ما لديهما من محبة وعطف وحنان، أم نهراك وأذلّاك لأن لهما اليد الطولى بما أنك بحاجتهما؟".

يعطي الآباء كل شيء يستطيعون عطاءه دون تململ أو تأفف مع أننا بحاجتهم، وإذا طلبنا من غيرهم ما نأخذه منهم بطيب خاطر لربما أعطانا مرة أو حتى عشرات المرات، لكنه سيصل إلى حد يقف عطاؤه عنده أو يعطينا مع تذمر، وربما تحكم بنا وتسلط مع فرض الوصاية علينا أحياناً، وإجبارنا على الإقدام على أفعال ربما نحن غير راضين عنها أو لا تسعدنا ونفعلها إرضاء له، مرغمين عليها لأننا بحاجته.

اليوم وبسبب ظروفنا وبسبب الحرب والتهجير والمعاناة فرضت علينا حياة غير تلك الحياة التي كنا نعيشها سابقاً، فكثير منا اضطر لاستضافة أهله في بيته، ووجد نفسه مسؤولاً عن مصروفهم بشكل كامل بعد أن خسر معظم الأهالي عملهم وأموالهم، ولكن اللافت والموجع أن نرى أولاداً نسوا أن آباءهم أصحاب فضل سابق عليهم، ونسوا قوله تعالى: "ولا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً".

فترى شاباً يصرخ في وجه أبيه وأمه متذمراً من كثرة المصروف والأعباء الموكلة إليه، أو من عدم الراحة لوجودهما في بيت واحد؛ لأنه يفتقد للحرية الشخصية، ويطلب منهما عدم التدخل في حياته؛ لأن هذا شأنه وهو واعٍ ومدرك لمصلحته ويتملكه شعور بأنه صاحب فضل عليهما، وبأنه يقدم لهما المساعدة، وهو ليس مضطراً على تقديم ذلك، وبما أنه المصدر المادي الوحيد لهما فإنهما مجبران على السكوت وتنفيذ الأوامر والانصياع لرغبة الأولاد بكل الأمور، سواء كانت صحيحة أم خاطئة؛ لأن سلطة المال هي السلطة الأقوى ولا مجال للأهل لممارسة سلطتهم كآباء.

هل نسي ذاك الصارخ في وجهَيهما حنان أمه وعطف أبيه؟ هل نسي أنه كان عبئاً ثقيلاً عليهما، لم يصرّحا به في وجهه، لئلا يشعراه بالخجل والإحباط؟ هل نسي معاناتهما لتوفير حياة كريمة له؟ هل نسي أنه ترعرع في بيتهما دون أن يطلبا منه مغادرته أو يشعراه بأنهما مأثوران بوجوده بينهما.

هل نسي أنه سيكبر وربما يكون بأشد الحاجة لأولاده؟ والحاجة تبعث في النفس البشرية إحساساً بالضعف.
هل نسي أن برّ الوالدين فرض من فروض الله علينا؟ وليس البرّ أن يلبي حوائجهما فقط، بل عليه أن يداري مشاعرهما؛ لأن المحتاج شخص يفيض بالإحساس يتعبه الشعور بالحاجة والنقص.

هل نسي أن مساعدته وإحسانه لهما هو واجب عليه أداءه بصمت وأدب؟ لأن التذمر والكلام الفظ سيذهب ثوابه أدراج الريح، يبدو أنه نسي؛ لأنه لو تذكَّر لما صرخ في وجهَيهما.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد