لا أعرف من أنا!

ربما أنا قصة هُمّشت عند وضع الخطة، وأُقصيت عن منابر الخطاب، سلبت رأيي قبل الرغيف، أنكرتني شوارع مدينتي، أنكرني حيي الذي كنت أعيشه ويعيشني، واختفت ذكرى حبيبتي المرشوقة على أحد الجدران، غطتها بعض العبارات الطائفية الرعناء ونعوتان وشعار

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/21 الساعة 07:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/21 الساعة 07:04 بتوقيت غرينتش

لا أعرف هوية هذا الشخص الذي يسكنني، لا أعرف إن كنت الذي قمع أو ذاك الذي ثار، لا أعرف حزبي وتوجهه، لا أخفيكم أني ولفترة قريبة لم أكن أميز بين اليمين واليسار.

ربما أنا قصة هُمّشت عند وضع الخطة، وأُقصيت عن منابر الخطاب، سلبت رأيي قبل الرغيف، أنكرتني شوارع مدينتي، أنكرني حيي الذي كنت أعيشه ويعيشني، واختفت ذكرى حبيبتي المرشوقة على أحد الجدران، غطتها بعض العبارات الطائفية الرعناء ونعوتان وشعار.

غيّر المكان عاداته وبات ينام مبكراً، ويصحو على بركة حمراء بفعل انفجار، ليكمل يومه شاحباً كصرح الحجاز الذي يتوسطه كبؤس ذاك القطار.

كنت أرغب في التحدث عن مشكلتي لأحدهم، لكن أحداً لم يرغب في سماعي، حتى طبيبي النفسي لم يعد هنا، فقد غادر إلى أحد بلدان القطب الشمالي بحثاً عن الدفء الذي كان قد فقده هنا في هذه البقعة من الأرض.

لم يجب على اتصالاتي الكثيرة، واكتفى بعد جهدي الحثيث في الوصول إليه بإرسال رسالة بأحرف لاتينية يتذيّلها عنوان، كان يقود إلى وسط المدينة، وتحديداً إلى بار. لم أدخله لعلمي نيته، كان يريدني أن أشرب كأسي الأول هنا، في هذا القبو المتعفن، كان يريدني أن ألعن حياتي وسوء وضعي دون أن يسمعني أحد، إن مثل هذه الأماكن عصية على ملائكة تدوين الذنوب فهي خانقة ومرهقة، يبدو أنه كان ينوي تجنيبي السيئ من الأقدار.

ذبلت مظلتي الياسمينة وانكسر طوقها، فرغ هاتفي من أرقام الأصدقاء؛ فمنهم من مات جوعاً، ومنهم من مات قهراً، ومنهم من مات نفياً.

حتى الشاشة التي كانت تجمع ضحكاتنا لم تعد كذلك، باتت مقتصرة على الأنباء العاجلة، وبين تنهيدة أمي وسعلة أبي موجز للأخبار.

اختلط عليّ سكان بيتي، وحدها الحرب من تكثر الزوار. بدأت أفقد رمزية أشيائي وأشتم الدار، أشتم الماضي والحاضر والمستقبل وألعن انقطاع التيار.

مَن هذا الذي أنا عليه الآن؟ من هذا الذي يغرق وسادتي بالدموع في كل ليلة؟ من هذا الذي هجر لعبه وبات يبحث في المسببات والدوافع والمآل الذي أدى إلى ما صار؟!

الليلة عرفت من أنا، وضعت ورقة على الطاولة وأفرغت بؤسي فيها، تذيّلها اعتذار. أما هويتي، فكانت "حلماً سورياً" أُغلقت في وجهه كل الطرق ومُهد له طريق واحد. بينما تقرأون هذه الرسالة، تعلمون أني مع ألف شاب نضع ختماً في آخر نقطة في منجنيق الحضارات أو ما يسمى "المطار".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد