التاريخ.. الخديعة الكبرى

يقول الكاتب والروائي الإنكليزي جورج أورويل: إن من يتحكم بالماضي يتحكم بالمستقبل، ومن يتحكم بالحاضر يتحكم بالماضي، وهو بهذا يشرح باختصار أهمية التاريخ في حياة الأمم، وكيف أنه يمكن أن يقودك إلى المستقبل، ولكن فقط عليك أولاً أن تمسك بهذا التاريخ، وحتى تمسك به لا بد لك أن تمسك بالحاضر.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/20 الساعة 05:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/20 الساعة 05:38 بتوقيت غرينتش

يقول الكاتب والروائي الإنكليزي جورج أورويل: إن من يتحكم بالماضي يتحكم بالمستقبل، ومن يتحكم بالحاضر يتحكم بالماضي، وهو بهذا يشرح باختصار أهمية التاريخ في حياة الأمم، وكيف أنه يمكن أن يقودك إلى المستقبل، ولكن فقط عليك أولاً أن تمسك بهذا التاريخ، وحتى تمسك به لا بد لك أن تمسك بالحاضر.

قادني البحث عن تاريخ العثمانيين إلى الدخول في متاهات تاريخية كبيرة، لا أقول إني ندمت على دخولها، وإنما هالني وأقلقني ما قرأت، فلقد أدركت فعلاً أن التاريخ ما هو إلا خديعة كبرى، نجد أنفسنا في لحظة واقعين تحت سحره؛ ليحولنا إلى أدوات في طريق من يعرف ويتقن استخدام مادته الكبيرة والضخمة والهامة، حتى لكأن هذا التاريخ، الذي مضى، بات اليوم يحرك مصائرنا ويحدد مستقبلنا، وليس فقط الحاضر منه.

الخطورة تبقى ليست في التاريخ كتاريخ، وإنما فيمن يكتب هذا التاريخ، ويفسر مجرياته، وينجح في تسويق روايته على أنها الحقيقة، وما عداها تزوير وتلفيق، خاصة إذا كان المتلقي على استعداد لتصديق أي شيء، وتحديداً الشيء الذي يتم تسويقه بشكل جيد.

التاريخ اليوم تحول إلى أداة من أدوات الصراع بين مختلف القوى، سواء أكانت إسلامية، أو قومية أو حتى دولية، وتحول في بعض المفاصل إلى المحرك الأساس لهذه الصراعات، عبر استخدامه بطريقة مسيئة، جعلت منه مادة للصراع والنزاعات المختلفة، خدمة لهذا الطرف أو ذاك.

وسأضرب مثلاً هنا عن تاريخ العثمانيين، وهو ليس بالتاريخ الموغل بالقدم الذي ربما يصعب الوصول إلى مادته الحقيقية للبحث والتنقيب بين آثارها، كما أنه تاريخ، جزء كبير منه مدون، ولم يضع كما ضاعت حقب مهمة من التاريخ، سواء تلك التي سبقت ظهور الإسلام، والتي كان أغلبها مروياً، أو التي ضاعت عقب الغزو المغولي لبغداد سنة 656 هجرية، بعد أن طمس وأغرق المغول مكتبات بغداد العامرة بنهر دجلة.

تاريخ العثمانيين، على سبيل المثال، ستجده متغيراً ومختلفاً باختلاف من كتب عنهم وعن 5 قرون من حكم الدولة العثمانية، فتجد من رفع قدرهم وقدر جهادهم وفتوحاتهم، وآخرين طعنوا بهم وبكل ما فعلوه، ونادراً ما تجد من يقف منصفاً، بين غلو واستهانة بتاريخ أمة من أمم الإسلام كان لها ما كان طيلة قرون خمسة خلت.

بعضهم لا يقرأ التاريخ إلا من خلال عين فقيه أو عالم إسلامي، وبعضهم الآخر لا يقرأ التاريخ إلا عبر بوابة سياسي، وآخر عبر بوابة ليبرالي وهكذا؛ لتجد نفسك بعد ذلك وقد وقعت في حيرة من أمرك، وأنت تسأل أين التاريخ في كل ذلك؟

نادراً ما تجد التاريخ الذي بين أيدينا من صنع مؤرخين، أعملوا جهدهم في إثبات رواية هنا أو أخرى هناك، بل هو في أغلبه تاريخ كتبته أنظمة، بل إن شئت الدقة هو تاريخ صنعته أنظمة ليتواكب ويتوافق مع ما تريده هي.

يقول الكاتب الأميركي الساخر مارك توين، الحبر الذي كتب به التاريخ ما هو إلا تعصب سائل.

تأمل حولك وأنت ترى كيف أن دولة مثل إيران توظف التاريخ لنشر التشيع، ليس حباً بالتشيع كمذهب بقدر سعيها لإحياء أمجاد إمبراطوريتها الفارسية الغابرة.

ما ينبغي أن ندركه ونحن نلج بوابة التاريخ، أنه حقل أفكار وصراع أيديولوجيات أخطر من حقول الألغام، وبالتالي فإننا لا يجب أن نسلم بسهولة لأي رواية تاريخية، وأيضا لا ينبغي أن نأخذ تاريخنا عبر ما يكتبه المسيسون أو أولئك الذين يكتبون خدمة لهذا النظام أو ذاك الحزب.

وربما يطرح البعض تساؤلاً: أين سنقرأ التاريخ الخالي من التزييف والتزوير؟
أعتقد أن قراءة التاريخ لا ينبغي أن تخضع لمعيار معين، إنها قراءة يجب قبل كل شيء أن تكون واعية، وأن يدرك القارئ والمتلقي أنه أمام حقائق داخلها لا شك، شيء من التزييف أو التزوير، وبالتالي فعليه أن يقرأ بحذر شديد ويوسع قاعدة مصادره قبل أن يتخذ رأياً في أي حادثة تاريخية.

التاريخ، الذي يعتقد البعض أنه ثابت ومتفق عليه، هو أكثر الأشياء المختلف عليها وفيها جدل كبير في صحتها وصحة ما ورد فيها، وبالتالي فإن علينا أن نكون حذرين ونحن نقرأ التاريخ، ونحن نتنقل بين صفحات كتبه المتعددة والمتنوعة.

وهنا أيضا لا بد من أن نشير إلى أن ما نشاهده على شاشات التلفاز على أنها دراما تاريخية أو تلك التي نقرأها على أنها روايات تاريخية، لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال وثائق تاريخية نعتد بها ونحن نشكل فكرنا عن حقبة تاريخية ما.

وظيفة المؤلف السردي، كاتب رواية أو سيناريست، تختلف تماماً عن وظيفة المؤرخ، فالأول يسعى إلى أن يقدم التاريخ من منظوره هو، فيأخذ حدثاً تاريخياً موثقاً، ويكتب ويحيك حوله ما يتخيله هو لا ما كان فعلاً، بينما دور المؤرخ هو تثبيت الوقائع كما وصلته، دون زيادة أو نقصان.

ومن هذا المنطلق يرى الناقد الأدبي العراقي الدكتور عبد الله إبراهيم أنه آن الأوان ليحل مصطلح التخيل التاريخي محل الرواية التاريخية فهو "سوف يحيد أمر البحث في مقدار خضوع التخيلات السردية لمبدأ مطابقة المرجعيات التاريخية فينفتح على كتابة لا تحمل وقائع التاريخ ولا تعرّفها، إنما تبحث في طياتها عن العبر المتناظرة بين الماضي والحاضر، وعن التماثلات الرمزية فيما بينها، فضلاً عن استيحاء التأملات والمصائر والتوترات والانهيارات القيمية والتطلعات الكبرى فتجعل منها أطراً ناظمة لأحداثها ودلالاتها".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد