حول فكرة المكونات في بعض مبادرات المعارضة السورية

أيديولوجيا المكونات التي تأسس عليها لبنان في عشرينات القرن العشرين، ومن ثم تأسس عليها نظام المحاصصة السياسية الطائفي، لبنان قائم على انسجام المكونات كما يقول إيلي فرزلي، لكن ماذا لو لم تنسجم المكونات؟ متى كانت المكونات منسجمة أصلاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/19 الساعة 05:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/19 الساعة 05:25 بتوقيت غرينتش

طرح الأستاذ رياض سيف مبادرة تحت اسم "مبادرة للانتقال السياسي في سوريا"، نشرتها كلنا شركاء، وسبقه، قبل أسبوعين تقريباً، الأستاذ ميشيل كيلو في طرح مبادرة للحل في سوريا تحت اسم "مقترح للعمل الديمقراطي" نشرها موقع شفاف الشرق الأوسط، وقد قرأت كلتا المبادرتين، ووجدت فيهما حلولاً ذكية للواقع السوري، لا سيما اعتبار سوريا 250 دائرة، كما ورد في مبادرة الأستاذ سيف، وهو باعتقادي حل لمسألة التمثيل الطائفي، وتحوط من تحويل السياسة الوطنية إلى سياسة طائفية.

كلتا المبادرتين مهمة في المجالات التي عالجتها واقترحت حلولاً لها، لكن ما لفت انتباهي أن كلتا المبادرتين ذكرت مصطلح "المكونات"، وبالتالي كلتا المبادرتين تنظر إلى سوريا – كما أفهم من مصطلح مكونات – كمجموعة طوائف وأعراق، أو تجمعات بشرية، وهو في اعتقادي أمر خطير جداً، الآن وفي المستقبل.

بعض الملاحظات حول فكرة المكونات:

يمكن للمكونات أن تتحول في أي لحظة إلى كانتونات أو غيتوات مغلقة تستعيد تجربة الحرب الأهلية اللبنانية، وما نتج عنها من شلل سياسي، وامتناع التنمية وتضخم مالي، وفساد سياسي، وخراب اجتماعي، وانحطاط في القيم والثقافة، وشعوذة إعلامية..

1. باعتقادي أن فكرة المكونات مثل كثير من الأفكار الغربية المستحدثة، والمخصصة تحديداً للشرق العربي والشرق الإسلامي عموماً، يمكن وضعها في إطار الرؤية الاستشراقية التي ترى أن سكان الشرق العربي مذاهب وشيع وفرق وطوائف دينية، توقفت عن التطور عند المرحلة الاعتقادية العصبية الأسطورية، لا يمكن أن تندمج أو تتقولب في إطار وطني أو دولة حديثة.

أما الخلفية الأساسية لفكرة المكونات، التي تروج لها دوائر غربية، هي فكرة صراع الأديان والحضارات الذي وجدنا تطبيقها ابتداء من تنظيم القاعدة والأحزاب الدينية السنية والشيعية التي لن تنتهي إلا بانتهاء العرب والمسلمين.

دولنة الطوائف:

فكرة المكونات التي غلفت بشكل سياسي هي أسوأ بكثير من الفكرة الاستشراقية الأساسية عن الشرق العربي والإسلامي؛ لأنها تذهب بالفكرة الأساسية إلى مستوى أخطر، بحيث تسبغ عليها إطاراً سياسياً يجعل للطوائف شكلاً سياسياً بعد أن هندست لها قبلاً شكلاً أو تعبيراً ثقافياً، أي أننا نذهب إلى "دولنة الطوائف"، وهي النتيجة المنطقية لفكرة الخصوصيات الثقافية للأقليات، أو المكونات، ومن قبلها الخصوصيات العرقية أو التمايزات العرقية لها، لا يخفى مسعى بعض المستشرقين لإسباغ تمايز عرقي على العلويين أو الموارنة.

لا أقول إن بلاد الشام لم تمر في مرحلة المكونات المتجوهرة أو المتبلورة، بل هي شهدت أكثر من أي بلاد تجاورها حالة الدويلات – المدن منذ عهد الآراميين حتى عهد الأيوبيين المسلمين، لكنها أيضاً شهدت فترات طويلة عاشت خلالها تحت حكم مركزي.

خطورة فكرة المكونات المصدرة لنا أنها تريد إعادتنا إلى حالة الدويلات الآرامية ودويلات ملوك الطوائف.

الترجمة العملية لفكرة المكونات:

1. التجربة العراقية:
لنستفيد من تجربة العراق السياسية لا سيما تقسيم العراق إلى كانتونات فيدرالية على أساس المكونات أو الهويات الطائفية والقومية، والتي باختصار أفلست العراق بسبب الفساد المالي وغزت التوترات الطائفية وزادتها قوة.

هذا ما وصل إليه مركز كارنيغي في ورشة عمل بحثية خاصة بالتمثيل السياسي في العراق، تقول دراسة صادرة عن المركز الأميركي الشهير: "يرى ثلثا العراقيين اليوم أن بلادهم تسير في الاتجاه الخاطئ، كما أن معدّلات تأييد القادة والأحزاب السياسية متدنّية أكثر من أي وقتٍ مضى؛ إذ يشهد جنوب البلاد احتجاجات للشيعة بأعداد غير مسبوقة ضدّ قياداتهم من الشيعة، بسبب عدم قدرتها على تحسين الأوضاع الأمنية، والتصدّي للفساد، وتوفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء، ومعالجة البطالة.

وبالمثل، يشهد شمال البلاد أيضاً احتجاجات للأكراد ضد قياداتهم من الأكراد، وتواجه النخبة السياسية في بغداد وأربيل صعوبة متزايدة في الادّعاء بأنّها تتحدّث باسم ناخبيها".

2. التجربة اللبنانية:

قد تكون الحالة اللبنانية أقل قسوة من الحالة العراقية التي ما زالت في طور التكون ولم تستقر على صورتها الأخيرة، لكنها حالة حرب أهلية باردة، كما أسلفنا، يمكن أن تعود سخونتها في أي لحظة.

قبل أشهر دعا جبران باسيل، وزير خارجية لبنان، السوريين لتطبيق النموذج اللبناني السياسي، كاجتهاد منه لإنهاء الحرب في سوريا.

لكن ما هو النظام السياسي اللبناني، إنه باختصار نظام يقوم على اعتبار الطوائف والأعراق والأسر الكبيرة المكونات الأساسية للوطن والشعب اللبناني، تتقاسم خيرات لبنان ودولته.

أيديولوجيا المكونات التي تأسس عليها لبنان في عشرينات القرن العشرين، ومن ثم تأسس عليها نظام المحاصصة السياسية الطائفي، لبنان قائم على انسجام المكونات كما يقول إيلي فرزلي، لكن ماذا لو لم تنسجم المكونات؟ متى كانت المكونات منسجمة أصلاً؟ وهل يمكنها أن تنسجم طالما بقيت كما هي؟ أي مكونات منغلقة على ذاتها؟

في القانون الاجتماعي المكونات الجامدة التي لا تتحول إلى شكل آخر اندماجاً أو انقساماً هي كانتونات، لبنان في الحقيقة كانتونات لا يمكن لها أن تنسجم أو تعيش سوياً، لكن يمكن أن تتعايش بالمعنى الفيزيائي وليس الاجتماعي؛ لأن لكل منها مؤسساته الخاصة السياسية والإعلامية والثقافية بحيث تحولت المكونات إلى أمم، ولم تبق على بساطة تكوينها الأول.

في قرون ماضية أواسط القرن السادس عشر، كان ملوك فرنسا يخاطبون رؤساء الموارنة على أنهم رؤساء الأمة المارونية، هذا ما يحدث الآن مع السوريين، يريد الغرب أن يعامل السوريين على أنهم مكونات لأمم قادمة، فيعاملون الكرد السوريين على أنهم كيان لا علاقة له بسوريا، ويعاملون العلويين طوال نصف قرن على أنهم حكام سوريا، وينبشون كتباً لبعض مستشرقيهم ورحالتهم يدون فيها أن العلويين عرق خاص وثقافة مناقضة لمحيطها العربي، وها هي أصوات من محيط إلى خليج إسلامي ينضم إليها أحياناً مثقفون في المعارضة السورية يعتبرون العرب السنة على أنهم أمة.

لا أعتقد أن سوريا أياً كانت طائفتها تقبل بأن تتحول الطوائف السورية إلى أمم أو دويلات.

المكونات والتبعية للخارج:

من ناحية أخرى، وبسبب ارتباط المكونات اللبنانية بقوى خارجية تحولت إلى دويلات في شبه اتحاد اسمه لبنان، هذه العلاقات بين كل مكون على حدة والدولة الراعية له غربية أو شرقية هي علاقات تاريخية تكاد تصبح عضوية.

وهي أقوى بكثير من علاقة المكونات اللبنانية ببعضها، فعلاقة الشيعة في لبنان بإيران تحولت إلى شيء عضوي، وعلاقة الموارنة بفرنسا كذلك، والسنة بالسعودية وقبلها بسوريا..

النموذج اللبناني الذي يريده باسيل لسوريا، وكذلك بعض الدول الغربية إضافة لإيران وسواها هو نموذج بعيد عن الاستقرار ومانع للوطن ومعيق للتنمية، ومكرس للطائفية والتوتر المذهبي القومي، هو نموذج لدولة فاشلة، ومجتمع محتقن متخلف يعيش وفق منطق ومفاهيم القرون الوسطى، وإن كان يستهلك آخر صيحات الموضة، وآخر موديلات السيارات، ويتحدث أبناؤه بأكثر من لغة.

خاتمة:

بقي لبنان محافظاً على المكونات الكانتونات؛ لأنه أسس دستورياً على ذلك برعاية دولية تمنع أي تغيير في طبيعة أو علاقة المكونات، الأمر الذي أعاق اللبنانيين عن العيش بسلام وأمن وطمأنينة، أعاق اقتصادهم، وأشعل حروباً بالوكالة، بسبب أحزاب تابعة لأنظمة ودول، تقرر في أي لحظة افتعال أزمة داخلية في لبنان، تقرر استيلاء حزب على السلطة، فيهاجر مئات الآلاف، ثم يسود سلام كاذب بضع سنوات، ليعود البلد يغلي كالمرجل، ويضع الجميع أيديهم فوق قلوبهم، تحسباً من حرب تنفجر بين لحظة وأخرى، إنها الحرب الباردة وليس التعايش، إنه التوتر الاجتماعي الطائفي السياسي الدائم وليس الحياة السياسية أو الحيوية السياسية.

هل تريد المبادرة أن تكرر المكرر – لبنان – وهو أمامنا بكل خرابه السياسي والاقتصادي، وهل نسلق حلاً لسوريا يحوي الأسس الفكرية الدستورية لخرابها المستقبلي الأكيد؟

أربأ بالأستاذين رياض سيف وميشيل كيلو أن تكون هذه غايتهما، وهما الوطنيان الكبيران المحبان لشعبهما، لكني أعتقد أنهما تسرعا قليلاً، وكان عليهما تحري الدقة في المصطلحات.

أتمنى منهما استبدال مصطلح "مكونات" بمصطلح "متحدات" أو بكلمة شعب أو مناطق… إلخ، وكذلك اعتماد فكرة "الإنسان الفرد المواطن" كخلفية فكرية لأي مشروع سياسي وطني، كذلك الدعوة إلى العقد الاجتماعي المصاغ بعد مؤتمر سوري عام، والعمل على فكرة المجلسين، مجلس الخبراء التكنوقراط، ومجلس النواب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد