إنّ ما حصل في منظومة القيم الأخلاقية أضعف ثقتي فيما نملك من رصيدٍ للتقدم، وأدى إلى إشاعة شعورٍ داخلي بإفلاسنا وعجزنا، مع ما يترتب على ذلك من نتائج من قبيلِ توتر العلاقات الاجتماعية التاريخية وضربها في مقتل.
لقد تفككت الهوية الليبية وتخلخلت حتى في المنظومة القيمية الأخلاقية والسلوكية والاجتماعية بعد عدة اختباراتٍ كشفت عن مدى فسادنا وانحرافنا فيها، فأيُّ حاضر نعتزُّ به؟ وأيُّ مستقبلٍ نأملُ فيه في ظل هذه المعطيات؟.. فجور في الخصومة وازدواجية في المعايير، وكفر بالقيم والمبادئ.
قبورُ الكثير من القتلى ظلماً في ليبيا هي قبورٌ صامتة تصرخُ بالأسئلة الاحتجاجية: لماذا قُتلت؟ ولحساب من تم ذلك؟ ومن ذا الذي قتلني؟ ولماذا خضتُ هذه الحرب ابتداء؟ ليس الغريبُ في نطق القبور ولكن الغرابة كل الغرابة في صمت الأحياء تجاهلاً، في صمت المجتمع، فلا شجب ولا استنكار ولا إدانة، صارت القيم الأخلاقية مطاطة، وأمست موضع مساومة تميل مع كل ريح موسمية؛ ليبقى الاستفهام المحوري الذي يجب أن يتبادر إلى أذهاننا جميعا هو: مَن المسؤول عن تربية المجتمع وتقويم العوج الأخلاقي فيه؟
فوجئنا ببروز مجموعات بشرية تنسب نفسها زوراً إلى بني آدم انسلخت من كل قيم البشر وماتت قلوبهم، وأخذوا يتشفون بشكل مريع لا تنتجه خيال أبشع رواية رعب، ورأينا نخبة لا مبادئ لها نصبت نفسها في الزمن الثقافي السيئ فرساناً في سباق المواقف، بالرغم من مرارة الظروف التي لم نتجاوز مواجعها المتراكمة، ومشايخ لا علم لهم، تصدروا المنابر وأشبعوها تكفيراً وتخويناً وتفسيقاً وتبديعاً، وعمداء لقبائل لا أصل لها، يوزعون صكوك الوطنية والبراءة، وفيما بقي الوطن هارباً من الخريطة تاركاً ناسه في صراع مع الشعارات، بدت أرضيتنا الثقافية مالحة، واستمر سؤال الأخلاق قائماً!
كل أولئك مجتمعين لم يتورعوا في خدش كلّ ما هو مقدس وأهدروا مصداقيتهم، وكشفوا عن وجه جاهلي بدا مغرقاً في العصبية، لا يستطيع المرء معه كتم شعوره بالأسى والألم وهو يطالع هذا الهرج.
"إن مجتمعاً بلا أدب أو مجتمعاً يرمي بالأدب – كخطيئة خفيَّة – إلى حدود الحياة الشخصية والاجتماعية هو مجتمع همجي الروح، بل ويخاطر بحريته" احفظ هذه الجملة في ركن من الذاكرة، وإليك بضعاً من نتائجها، فقد أصيب المجتمع بتشوهٍات سلوكية لن يتم استدراكها على المدى القريب؛ حيث إن التعصب والجهل صنوانٌ يعزز كل منهما الآخر، الأول أضرّ بقيم التعايش المشترك وضربه في مقتل، والثاني أساس كل تخلف وتأخر.
استفهامي هذا أتوجه به إلى الضمير الوطني، وكم أتمنى أن تُتاح لنا الفُرصة لإجراء مراجعاتٍ واسعٍة حول القيم الأخلاقية التي تربينا عليها، والتي تسهم بقسطٍ غير قليل في تخلُّفنا وانحرافنا السلوكي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.