إن مصطلح المحاسبة الإبداعية مصطلح حديث بدأ في الظهور في فترة الثمانينات من القرن الماضي، وذلك عندما كانت الشركات تواجه صعوبات كبيرة في تحقيق الأرباح، وذلك بسبب الركود الاقتصادي في تلك الفترة بقصد تحريف الدخل الحقيقي وممتلكات شركات الأعمال؛ لتبدو حجم الأرباح أكبر من الواقع الفعلي.
تعريف المحاسبة الإبداعية:
المحاسبة الإبداعية هي استخدام المبادئ والقوانين المحاسبية المتعارف عليها في غير موضعها، وذلك من أجل التحايل والتجاوز الذي يُظهر الشركة المعنية تبدو أفضل من الواقع، سواء من حيث المركز المالي أو نسبة الأرباح، وقد يُظهر الشركة على عكس ذلك بهدف التهرب الضريبي.
أسباب استخدام أساليب المحاسبة الإبداعية:
من البديهيات أن تسعى الشركات والمؤسسات الكبرى لتحسين صورة مركزها المالي، وذلك للتعبير على مدى استقرارها المالي والاقتصادي؛ لما في ذلك من تأثير على أسعار أسهمها في السوق؛ لذلك قد تلجأ هذه الشركات والمؤسسات إلى تعظيم أرباحها عن طريق التلاعب المقصود في قوائمها المالية المفصح عنها، وذلك بطرق محاسبية قانونية كأن تقلل من نسب الديون المشكوك في تحصيلها أو المعدومة، أو من خلال تكوين مخصصات بشكل مبالغ فيه أو تحميل السنة المالية ما لا يخصها من إيرادات أو مصروفات، ويتم ذلك بطرق فنية محاسبية على أكبر مستوى من المهنية العالية.
أهداف استخدام المحاسبة الإبداعية:
وتقوم إدارة هذه الشركات بنهج هذا السلوك لتحقيق عدة أهداف من أهمها:
1- تضخيم الأرباح، وذلك بهدف:
– زيادة سعر سهم الشركة.
– زيادة أرباح مجلس الإدارة.
– تحسين فرصة الحصول على قرض.
– جذب مستثمرين جدد للاستثمار في الشركة.
– ترغيب منشآت أخرى في شراء الشركة.
2- تخفيض الأرباح، وذلك بهدف:
– التهرب من الضرائب.
– تقليل سعر سهم الشركة في السوق لأهداف معينة.
أساليب التلاعب في العمليات المحاسبية:
يوجد عدة أساليب للتلاعب في العمليات المحاسبية تم تحديدها من قِبل مركز الأبحاث والدراسات المالية والتحليل في الولايات المتحدة الأميركية يمكن استخدامها للتلاعب في القوائم المالية للشركات، وهي ملخصة في سبع طرق كالتالي:
1- تسجيل الإيرادات المستحقة لسنوات مالية في السنة الحالية، وبالتالي يجب التأكد أن الشركات تتبع القواعد المحاسبية الدولية المتعارف عليها بتسجيل الإيرادات لتحميل كل فترة بما يخصها؛ حيث إن الإيراد يجب أن يتم تسجيله عند الانتهاء من العملية التي أدت إلى استحقاقه، مما يعني أن تكون الشركة قد التزمت بكافة مسؤولياتها تجاه العميل.
2- تسجيل إيرادات وهمية، هناك بعض الشركات التي تفشل تماماً في تحقيق إيرادات تقوم بتسجيل عمليات بيع وهمية في دفاترها، وذلك لتضخيم إيراداتها، وعادةً ما تكون تلك المبيعات المسجلة متعلقة بأموال تم تسلّمها ولكن لا يمكن اعتبارها إيراداً ناتجاً عن النشاط التشغيلي للشركة مثل إيرادات الاستثمارات.
3- تضخيم الإيرادات بالأرباح الرأسمالية التي تكون غير متكررة وغير ناتجة عن النشاط الحقيقي للشركة مثل إيرادات بيع أصول ثابتة أو إعادة تقييم بعض أرصدة الميزانية لخلق إيرادات وهمية.
4- ترحيل مصروفات تخص العام الحالي لأعوام تالية، وأكبر مثال على ذلك عندما تقوم الشركة برسملة بعض المصروفات التشغيلية، وعدم تحميلها على حساب قائمة الدخل للعام الحالي، وذلك لاستهلاكها خلال سنوات مقبلة، مما ينتج عنه زيادة صافي الأرباح خلال العام الحالي، وقد يتم ذلك عن طريق تغيير بعض السياسات المحاسبية المستخدمة لترحيل المصروفات لأعوام سابقة، أي عن طريق تقليل الاحتياطيات والمخصصات.
5- عدم تسجيل أو تعمد تخفيض الالتزامات بغير وجه حق، فبعض الشركات تقوم بتعجيل الإيرادات المستقبلية في وجود بعض الالتزامات، وتسجل تلك الإيرادات في المرحلة الحالية.
6- ترحيل الإيرادات الحالية إلى فترات تالية، فبعض الشركات لا تقوم بتسجيل إيراداتها الحالية في هذه الفترة؛ ليتم تسجيلها في أعوام تالية، وذلك لإعطاء انطباع بأن المستوى الفعلي لإيرادات الشركة في ثبات على مدار عدة سنوات.
7- تسجيل بعض المصروفات التي تخص فترات مستقبلية خلال الفترة الحالية، وذلك لإظهار البيانات المالية لفترات مستقبلية بصورة أفضل، مما يؤدي إلى تحسين صورة القوائم المالية عن الفترات المستقبلية ويعطي انطباعاً بأن الشركة قامت بالمجهود اللازم لتحسين الوضع المالي.
كيفية مكافحة أساليب المحاسبة الإبداعية:
إن علم المحاسبة مثله مثل أغلب العلوم له بُعد اجتماعي أخلاقي يتكون من مثلث له ثلاث زوايا تتمثل في الصدق والعدل والحيادية، ولذلك يجب على المتخصصين والمهتمين بهذا المجال العمل على إيجاد الحلول والبدائل للحد من هذه الظاهرة الخطيرة بل والعمل على استئصالها نهائياً، ولو أن ذلك يعتبر من الأمور الصعبة والمعقدة، وللحد من هذه الظاهرة يوجد بعض الاتجاهات والأساليب التي منها:
1- العمل على تثقيف وتعليم المهتمين بهذا المجال من مستثمرين ورجال أعمال ومستخدمي المعلومات المالية من خلال برامج ودورات تدريبية متخصصة وندوات وغيرها، التي من شأنها توعية هذه الفئة ورفع مستواها الثقافي في هذا المجال من خلال شرح الممارسات الإبداعية التي تمارسها بعض الشركات، وأهم التطورات في مجال المراجعة والتدقيق.
2- اختيار مكاتب التدقيق المتميزة التي تمتلك عناصر بشرية على درجة عالية من الكفاءة والتدريب الجيد على اكتشاف مثل هذه الأساليب.
3- العمل على وضع معايير محاسبية وأخلاقية جديدة تكون أكثر فاعلية من سابقتها، وذلك للعمل على الحد من استخدام أساليب المحاسبة الإبداعية.
4- الاتفاق على تحديد معايير قياسية لاستخدامها في كافة العمليات المحاسبية، وعدم ترك المجال مفتوحاً أمام اختيار بدائل، وذلك من شأنه اتباع الشركة نظام معالجة واحد، وعدم التغيير من سنة مالية إلى أخرى.
5- العمل على إنشاء أنظمة وقوانين تحكم بعض البنود مثل بند الطوارئ وبند المخصصات والنثريات وغيرها من البنود التي تسهل فيها عمليات التلاعب اللاأخلاقية.
6- تفعيل دور النقابات والجمعيات المحاسبية ووضع أسس وقوانين أخلاقية يلتزم بها المحاسبون والمراجعون للارتقاء بمهنة المحاسبة والمراجعة.
وأخيراً أقول إن المحاسب أو المدقق هو شخص اكتسب احترام جميع أفراد المجتمع على مر العصور والأزمان، وذلك لما اتسم به من أخلاق عالية ونزاهة ومهنية لدرجة أنه في بعض الدول يصنف المحاسبون مع القضاة، وذلك لأن هذه المهنة تتطلب درجة عالية من الصدق والأمانة والنزاهة والحيادية؛ لذلك يجب على كل من يمتهن هذه المهنة أن يكون فخوراً بها وغيوراً عليها، ولا يترك قلة من الذين باعوا ضمائرهم من أجل المكاسب المادية والشهرة أن يعبثوا بالمكاسب التي اكتسبتها مهنة المحاسبة والمراجعة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.