كيف أفهم الطاعة والإحسان بالوالدين؟

لقد سيطرت على معادلة البر والطاعة والإحسان بالوالدين والجهاد بهما، سيطرت نظرات منقوصة أو مغلوطة ومواعظ مبتورة عن سياقها وظرفها وحالها وأخواتها من مكونات الموضوع، ما حول موضوع بر الوالدين إلى مسلمات مليئة بالأفكار المجانبة لأهداف الدي

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/31 الساعة 02:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/31 الساعة 02:12 بتوقيت غرينتش

يبدو أن تربية الأولاد جافت كثيراً مقاصد الدين ومقاصد الشريعة من الحرية والاستقلال والتدرج ومراعاة الفروق الفردية وما سواها من المقاصد الكلية والنوعية والجزئية.

لقد سيطرت على معادلة البر والطاعة والإحسان بالوالدين والجهاد بهما، سيطرت نظرات منقوصة أو مغلوطة ومواعظ مبتورة عن سياقها وظرفها وحالها وأخواتها من مكونات الموضوع، ما حول موضوع بر الوالدين إلى مسلمات مليئة بالأفكار المجانبة لأهداف الدين، لا سيما في بناء الإنسان ذاتياً، ثم في نسج علاقته مع غيره انطلاقاً من أسرته فالمجتمع فالأمة فالإنسانية. واليقين الجازم، أن علاقته مع أبويه تحكم علاقته مع الدوائر الأخرى سلباً أو إيجاباً.

لقد غابت إرادة الاختيار والاستقلالية والمسؤولية واتخاذ القرار على حساب السمع والطاعة، وتأخرت الخبرات والتجارب على حساب تقمُّص شخصية الأبوين، وشاعت بلوى التقليد على حساب التنوع في قاعدة نشأة الخلق. ولعل مردّ ذلك إلى غياب التأصيل العميق للموضوع المنسجم مع المقاصد المنطلق من تحرير المصطلحات وتحديد المسافات وضبط العلاقات. ولي أن أقول إن موضوع البر بالوالدين والإحسان بهما يستأهل أطروحة ماجستير لو أردنا له صورة جلية تعكس حقيقة معناه، باعتبار عناصر ومكونات ومتغيرات عملية البر والإحسان والطاعة بالنظر إلى المقاصد والنصوص والواقع، فما المعنى الأولي لهذه الأجزاء ومتعلقات هذه العملية؟

الطاعة المقيدة: التزام اختياري منهجي صادر عن دليل وفهم للمقاصد والكليات التي بُنيت عليها الأسرة، يستوي أمام ذلك الوالد والولد، وبذا تكون الطاعة عاقلة بصيرة.

البر: أسلوب تعامل يراعي الأحسن من الطرائق والأساليب في التعامل بصرف النظر عن جوهر الفكرة، توافق الطرفان أم اختلفا.

الإحسان: تخلُّق سلوكي لا فكري تترقى معه معاملة البنوة في دوائر التعامل من غير انتظار رد، فالمعاملة مع الله لا تهبط إلى المكافأة؛ بل تتعدى العدل في التعامل إلى الإحسان.

الاختلاف: سُنة ربانية عليها قامت المجتمعات، انطلاقاً من الدائرة الصغرى الأسرة لتحقق التكامل.

الاستقلال: العمل على اكتشاف كل إنسان ذاته التي تتشابه مع أبويه وتتباين معهما لتشكل كائناً جديداً في سماته وأفكاره وسلوكياته.

الحرية: مقصد رئيس من مقاصد الدين، تسهم الأسرة في تعهده وصيانته وحمايته من نقيضه وضده عن طريق بر الوالدين الصحيح.

الفروق الفردية: مفهوم تربوي يركز على نقاط التميز والاختلاف التي تعطي كلاً منا طابعاً يميزه عن غيره، ولو كان الغير أباً أو أماً.

العلاقة بين البنوة والأبوة في كلمة: إحسان وإتقان.
العلاقة بين الأبوة والبنوة في كلمة: تربية للفطرة والنفس والوجدان والعقل.
كلمات محظورة: التسيُّد والتسلُّط والتملُّك، فلا تسيد أبوي؛ إذ إن الولد مِلك خالقه الأوحد فلينتفِ التسلط والاستبداد.

يرى الباحث أن البر بالوالدين بمعناه الصحيح منظومة قيمية تبني في كلا الطرفين أداء الواجبات من غير انتظار الحقوق، وذلك بالنظر إلى معيارٍ أساس منه وعنه وعليه تبزغ الأفكار والتصرفات "رضا الله"، فالتعامل مع الخلق وفق منهج الحق ولرضا الحق سبحانه، وأما أن نتعامل مع الخلق لننتظر المكافأة منهم، فهذا ما يجانب الإسلام جملةً وتفصيلاً.

إن الخطاب ينبغي أن يمتلك بديهة تحديد المخاطب؛ فإذا كان المخاطب "الأب" فيجب أن تبدأ الرسالة من مقصد الحرية والعدل والاستقلال تأصيلاً وتفعيلاً وما للأسرة من أول وأولى دور في تحقيق مناط هذه المقاصد الكلية الكبرى، ثم من مخاوف الظلم والاستغلال وتفويت الثواب الرباني الدنيوي والأخروي باستعاضة المكافأة التي يشتهيها الوالدان ويريدانها من البنوة في قابل الأيام، لا سيما في الكبر.

وأما إذا كان المخاطب "الابن"، فليكن الحديث معتمداً على واجب الوجبات والذي لا يمتلك مخلوق التنازل عنه؛ لأنه لا يملكه؛ ألا وهو واجب "الاستقلال والحرية"، ثم عن الواجب الثاني أو الواجب الثاني الأول، حيث يرتب ترتيباً أفقياً لا تصاعدياً أو تنازلياً؛ ألا وهو واجب الإحسان بالوالدين بمعناه المنسجم مع مقاصد الدين، المعتمد في الأغلب الأعم على أسلوب وطريقة المعاملة المعتمدة على حافز مرضاة الله في كل وقت، لا سيما في زمن أحوج ما يكون فيه الإنسان إلى من يعِينه من غير أدنى أذى من مِنّة أو تململ أو ما سواهما.

ولا تسأل عن الطقس الداخلي لإنسان يسعى على من كان سبباً في إيجاده، يسعى ويسارع في تقديم الخدمة من غير انتظار المكافأة، وفي الوقت ذاته يحرص على استقلاله حرصه على الأولى، إلا أن الأولى ميزة الإسلام في نظامه الأخلاقي الأسري الاجتماعي الحضاري السنني القيمي، حيث رعاية الحياة في زمن خريفها؛ لتبقى فيها ميزة السعادة إن لم تستطع المحافظة على ميزة العطاء.

ولكن كل ذلك بالتوازي مع رعاية الحياة في زمن الربيع، حيث ميزة العطاء لا تبنى إلا على الاستقلال والإرادة. وأما ميزة السعادة، فلا يشعر بها المسلم إلا إذا أخضع عقله وعمله لتقديم العون بنوعيه لأبويه أولاً منتظراً القبول من الله.

وتبقى أسئلة تنتظر التأصيل، فكيف نجمع بين الأسوة الحسنة الجاذبة الداعية إلى الاقتداء بها "التقليد" للأبوين والاستقلال الفكري والشخصي؟
والجواب في مقالة قادمة..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد