بعد حضوري عدداً من محاضرات الماجستير في مادة "التطوير الوظيفي"، أحسست بأن لديّ الكثير من الأسئلة لأطرحها على البروفيسور "تانغ"، البروفيسور المسؤولة عن تدريس المادة.
بسبب انشغالها الدائم، استطعت أخذ موعد لمقابلتها بعد أسبوعٍ من تاريخه، وكنت متحمساً جداً لتلك المقابلة. في أثناء المقابلة، انهلتُ على البروفيسور "تانغ" بوابلٍ من الأسئلة التي أدهشتها وربّما أربكتها. وبعد أن انتهت المقابلة، أحسست بأن الإجابات لم تكن على مستوى عمق المعلومات التي كنت أريد، فبعض الأسئلة ليس للبروفيسور خبرةٌ عمليةٌ فيها وإجاباتها غير كافية، وشعرت بأنني بحاجةٍ لإجاباتٍ أعمق، فالصورة عن الموضوع لم تكتمل في ذهني بعد.
ما كان مني بعد انتهاء المقابلة إلّا أن اتجهت مباشرةً إلى أحد المقاهي الدراسية المنتشرة في الجامعة، وطلبت قهوتي المعتادة، وأخذت موعداً لمقابلةٍ ثانية، ولكن هذه المرة مع بروفيسور آخر وفي الوقت الذي أريد وبالمكان الذي أحبّ حتى لو كان في القهوة، مقابلتي كانت مع البروفيسور "جوجل".
مع أن البروفيسور "تانغ" كانت من المتميّزين في مادة التطوير والإرشاد الوظيفي، وصاحبة باعٍ طويلٍ في هذا المجال، ولها العديد من الأبحاث والمنشورات داخل الجامعة وخارجها، محلياً وعالمياً، وهي تعمل في حقل التدريس على نحو ما يقارب من عشرين سنة، إلا أن إجابات البروفيسور "جوجل" كانت أشمل وأعمق وكافيةً إلى حدّ الإشباع.
هذا الموقف جعلني أفكر مليّاً؛ هل أصبح البحث في "غوغل" أكبر فائدةً وأكثر شعبيةً من مقابلة البروفيسور الحقيقي الذي قضى أيام عمره بين الكتب والأبحاث؟ معقولٌ أنه لم يعد هناك حاجةٌ بعد الآن إلى البروفيسور "تانغ"؛ لأن البروفيسور "جوجل" جاهزٌ في أي وقتٍ وحينٍ ليعطيك المعلومة وزيادة؟!
ولكنني سرعان ما أيقنت أنه ربما يكون "جوجل" ذا فائدةٍ في التوسع الهائل في المعلومات، الأمر الذي لا يستطيع البروفيسور العادي فعله، ولكن الفكرة ليست فقط بالكم الكبير من المعلومات، فالبروفيسور الجامعي ليس من واجبه أصلاً أن يمدنا بالكم الواسع من المعلومات وفي أسرع وقت؛ بل إنّ من مهام أساتذة الجامعة وأي مدرسٍ أو أي خبيرٍ وإرشاديٍّ أن يعطيني المفهوم العام عن المعلومة ويفتح باب النقاش لتقليب أوجه النظر في المادة المطروحة، ثم الأمر عائد إليّ بعد ذلك:
"إما أن أبذل الجهد في طلب المزيد من الحقائق عن المادة موضوع الدراسة، أو أن أكتفي بما تلقيته من المدرسين والواعظين وبذلك أكون محكوماً بأفكارهم، مقتصراً على معلوماتهم، أسيراً لفهمٍ ضيقٍ حول المواضيع الهامة في حياتي".