صديقي مهدي.. يا ليته يعلم

يائسة أني لا أملك الخيار في إعادة المياه إلى مجاريها، لا أملك إلا أن أرضخ لقراره، وأن أحتفظ بحلو الذكريات في أرشيف مخيلتي، وألا أطالب بأي مستوى عالٍ من صداقتنا الغالية، عليّ فقط أن أتحول بين ليلة وضحاها لصديقة على الرف، أكون حاضرةً وقت الطلب

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/22 الساعة 03:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/22 الساعة 03:44 بتوقيت غرينتش

صديقي ليس لدي شيء كبير لأقوله، فمن أين أبدأ؟ وكل شيء فيك أميل إليه، فلن تصبح كبيراً إلا بحب كبير، فماذا يصير؟
يائسة أني لا أملك الخيار في إعادة المياه إلى مجاريها، لا أملك إلا أن أرضخ لقراره، وأن أحتفظ بحلو الذكريات في أرشيف مخيلتي، وألا أطالب بأي مستوى عالٍ من صداقتنا الغالية، عليّ فقط أن أتحول بين ليلة وضحاها لصديقة على الرف، أكون حاضرةً وقت الطلب، وملتزمةً بوقت الإجابة ومقدار الحاجة، وألا أتمادى أكثر، لا داعي لأن أعاتب أو أجادل أو أفتقد، المهم أن أبقى عاقلةً وهادئة، ذلك أنه لم يحصل بيننا موقف يحتاج لكل هذا الغم والهم، ومشاغلُ الحياة والأيام أفضل شماعة نستخدمها في هذه المواقف !

لم يكن تقبلُ الموضوع سهلاً، فأنت لم تكن صديقاً عادياً، إنه صديق الخطوة الأولى، والفكرة الأولى، والطموح الأول، كيف لي أن أحولك من مكانة الساعد الأيمن في حياتي إلى مكانة الضباب المتلاشي حول دروب ذكرياتنا؟

وجدتُ أني أواجه الموقف لوحدي، وأنني من صنع من الحبةَ قُبة، وما زاد في ألمي أني فهمت متأخرة أنه قد أنهيت خدماتي المخلصة تجاه علاقتنا، وأنّ علي أن أجد ميداناً آخر للوفاء والثقة، وأين هي الثقة؟ بعد كل هذه المدة؟ كيف لي أن أثق بأحدهم مجدداً.

واجهتُ شعور الوحدة والغربة والألم دون الرجوع لك، وقد كنت تُشاطرني كل شيء، شعرتُ حقاً بالثقل كمن يحرك رجليه في وحل من الطين، ولكن الطين لطخ وجهي كذلك، فكل ما فعلته أني احتجتُ زمناً طويلاً لأغير نفسي، نفسي التي كانت تقدر وتعطي بغير مقابل، نفسي التي كانت تبادر وتساعد بمحبة صادقة، نفسي التي تعذر وتختلق الأعذار حتى لا تشوهَ الصورة، نفسي التي ما تعودت كره أحد، حاولتُ أن أغيرها؛ لأني لا أملك القدرة على تغيير غيرها، طبعاً قراري هذا جاء تحت وطأة الانفعال والتذمر والانفجار الداخلي الذي عجزت عن إظهاره إلا كتابةً، فما كنتُ في يوم من الأيام أقدمُ على مكرمة لأنتظر رداً عليك، إذا كنت أفقدك وأفتقد جوهرك، ولكن النفس الحرة تكره الظلم وتأبى أن تُسلبَ حريتها في التعبير، أو أن تحُرمَ حتى حق الدفاع والتبرير فهذا ما دفعتني لفعله.

غيرتُ من نفسي وأوصدتُ نوافذي وأبوابي عن كل شيء جديدة، وارتديت نظارة الحذر، وانتهجت نهج المتوجس المتردد الذي لا يُقدم على خطوة دون أن يدرسها جيداً ويمحصها تمام التمحيص، لم تعد أشعة الشمس تداعب أيامي، ولم تعد الأرض الخضراء ميداني، ولم تعد رحابة السماء حلمي، هكذا قلصتُ كل حواسي المحلقة؛ لأنظر موطئ قدمي فقط، وأنفذ ما يطلب مني في اللحظة والحين دون اعتبار لهمس المشاعر، وما كان هذا إلا وقع الحزن، فما زال فيّ قلبٌ ينبض وروح تكره الرتابة والفتور، فها هي تتململ من قيود فرضتها عليها دون سابق إنذار، وها هي النفس تلهج بدعاء الليل: "رب هب لي من الحق إخواناً".

وتمضي الأيام ليعطيني ربي هدايا وعطايا من صحبة الأمل والطموح ما عمّر أيامي بخير ورخاء، ومشاعر صادقة وحب واحتواء، أعطاني ربي أناساً فاقوا مستوى الكرم الذي اعتدته ليخجلوني بطيب أفعالهم.. ربما يأتيك رد إحسانك من جهةٍ أخرى لا تتوقعها.. سبحان الله… مر زمن على ذلك صحيح أني اكتسبت صداقات جديدة، لكني فقدتُ شيئاً من مرحي الداخلي، وشيئاً من القدرة على المغامرة وروح التجربة، أحسست أني تركت لك خفة روحي، لم أفعل ذلك عمداً، لكني أعجز عن استعادتها وحينما أرى أحدهم مرحاً مقبلاً على الحياة أشعر بشيء من الأسف على مجدي الغابر.. ولكني سأظل أحاول أن أكون أفضل من هذا، فمع هذا لن نلتقي على أعتاب الألم من جديد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد