الصمت لم يكن يوماً علامة للرضا

هذا ما يجول في خاطر كل إنسان حر ولا يقبل بالظلم، في ذلك الوقت صمتي لم يدل على الرضا ولا صمت الموجودين، ولكنني أفسره على أنه قد يكون بدايةً لرضا أبدي مخلد، وينتج عنه طاغية مستغل وجشع ومظلومون ضعفاء، أو بداية لِنصر على الواقع والظلم، وهو اختيارنا.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/22 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/22 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش

خلال وقوفي في طابور مزدحم بالناس والمراجعين في مكان لا يوجد فيه تكييف، وقفت أنتظر دوري وكل منا يملأه الضجر من التأخير، ومرة يملأني التفاؤل عند اقتراب دوري، وأخرى أيأس لتعطل النظام، ومن بين كل هذا اليأس والازدحام والناس يأتي رجل بمنظرٍ أنيق ويتخطى كل الطابور؛ ليحظى بحفاوة اللقاء والترحيب من الموظف، وما لبِث أن خلع نظارته ولبسها مرة أخرى حتى تمت معاملته، وأخذ أوراقه وانصرف، وسط صمت وذهول من الجميع، لكن لم يتكلم أحد ولا حتى أنا!

وكل ما يدور في رأسي مَن هذا؟ ولماذا لم يقف بالدور؟ لماذا لا يعترض أحد؟ لماذا لم يصرخ أحد؟ لمَ لَم أصرخ أنا؟ لمَ أنتظر غيري ليعترض؟ أنا لست راضية وأنا ناقمة وساخطة على هذا المكان والموظف وعلى نفسي.

ليأتي رجل آخر وبنفس الموقف، ويتخطى جميع الناس ويقف عن الموظف ويتبادل معه أطراف الحديث، وسط النظرات المتهافتة عليه من الجميع، ويكمل معاملته ويمضي، ومثلما مضى الأول مضى الثاني، وكل يعض شفاهه بحقد وغل، وحرب تدور داخلي وأسئلة وألف لماذا؟ لماذا صمتنا في المرتين؟
تذكرت مقولة تصدح في تفكيري وتغرد يميناً ويساراً داخلي: عن مقولة الفيلسوف أرسطو عندما سئل: من يصنع الطغاة؟! رد قائلاً: ضعف المظلومين.
هل هو ضعف جسدي؟ أم ضعف عقلي؟ هذا السؤال يحتاج إجابة ملحة.

تخيلت لو أن عليَّ الوقوف في هذا الطابور وهذا الوضع يومياً وعلى مدار شهرٍ كامل ويتكرر نفس هذا الموقف يومياً هل سأبقى على صمتي؟ وهل سأرضى؟ ولن أثور وأعترض؟

هذا ما يجول في خاطر كل إنسان حر ولا يقبل بالظلم، في ذلك الوقت صمتي لم يدل على الرضا ولا صمت الموجودين، ولكنني أفسره على أنه قد يكون بدايةً لرضا أبدي مخلد، وينتج عنه طاغية مستغل وجشع ومظلومون ضعفاء، أو بداية لِنصر على الواقع والظلم، وهو اختيارنا.

لم أجد في حياتي كلها أخطر من الصمت، فهو وسيلة وغاية وأداة حادة، هو سلاح ذو حدين، هو الهزيمة وهو الانتصار، هو الذل وهو النهوض، هو الموت أو الحياة، هو الحكمة والتفكير الإيجابي نحو ردة فعل مناسِبة لكسر قانون الرضا.

ولو قلبنا تاريخ البشرية لوجدنا أن جميع الثورات والانتصارات والانقلابات والمظالم والفواجع، هي وليدة لصمت غامض متراكم، يلتف حوله ألف استفهام، وهل قامت قائمة دون صمت؟! هل صمت الفتاة عند سؤالها عن الزواج علامة لرضاها عن الخاطب؟ هل صمت المرأة بعد تلقيها التعنيف يومياً من زوجٍ لئيم هو دلالة على رضاها؟ هل يدل صمت الطفل بعد ضربهِ من زملائه دلالة على الرضا؟ هل صمتي في ذلك الصف يدل على الرضا؟

منذ متى كان الرضا حليفاً للصمت؟ وحرب باردة تجول في أعماقهم في ذروة هذا الصمت، ولو أنني أعدت مشهد الطابور المزدحم مرةً أخرى مع تغيير للموقف، وعند وقوفي هناك، ومرور الرجل الأنيق من عندنا وأوقفته، وطلبت منه أن يقف في آخر الصف، أو صرخت في وجه الموظف اعتراضاً على ما قام به، وقام بتأييدي من لا يستطيع التكلم أو التعبير عن رأيه في ذلك الصف، ويرجع الرجل إلى آخر الصف، ولن تسولَ له نفسه أن يتخطى من هو أحق منه، ولن يتجرأ ذلك الموظف على أن يستغفل الناس، وعندها سوف أصبح بطلة قومية في تلك الفترة الزمنية، وأكون انتصرت لذاتي وللحق وللناس.

إن الخروج عن الصمت هو أشبه بمخاض الولادة صعب ومؤلم وعسير، يتطلب شجاعة وصبراً وحكمة لولادة مجد وتاريخٍ مشرف.

ولماذا لم يكن الخروج عن الصمت هو سيد الموقف؟! ماذا لو صدت المرأة تلك اليد الموجهة بالضرب إليها؟ هل يستطيع أن يكررها؟

ماذا لو قالت الفتاة بصوتها أنا لست موافقة أن يتم رسم حياتي على أساس وظيفة الخاطب ومنصبه الاجتماعي وسمعة عشيرته؟ هل ستجبر على الزواج؟

ماذا لو تحلَّينا بالشجاعة وخرجنا عن الصمت في كل موقفٍ من مواقف الحياة، يطلب المجتمع منك أن تخرس فيه؟ هل سيتكرر؟

على الأقل سوف يردع بعض النفوس المريضة، وسوف يحد من ظواهر تسبب الظلم لأشخاصٍ ليس لديهم الجرأة على الكلام، سوف يخدم ولو بنسبة ضئيلة، سوف يحد من الحقد والكراهية والتبلد المتراكم عبر المواقف والسنين، الذي سوف ينفجر يوماً ما ليكون غضباً كبيراً وثورة.
ولكِن هل سيكون الخروج عن الصمت في كل شيء مجدياً ومفيداً؟ وهل ستحمد عواقبه؟! ماذا لو خرجنا عن صمتنا في الوقت المناسب؟

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد