حين أصبحتُ أماً.. أصبح في كل “لا” ألف “نعم”

طارق الذي أراني ما لم أكُن أراه من قبل؛ فكم مرة تساءلت: هل كان لديّ قلب قبل طارق؟ وهل كنت حقاً أُحب أمي؟ هل كُنت أفهم معنى أن يكون جسدك في مكان وقلبك في مكان آخر؟ طارق الذي تحدث في المهد. نعم، تحدث عندما أخبرني بأن زمن الهروب ولّى! زمن الاختباء وراء الحجج والمخاوف انتهى.. إنه زمن المواجهة!

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/21 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/21 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش

اعتدتُ دوماً مع نفسي أن أرى المناسبات بمنظوري الخاص وأن أضفي عليها لمسة مختلفة.. فأفرح بكل مناسبة وأحاول النظر إليها من منظور جديد يعود عليَّ وعلى غيري بالنفع، فعيد الأم بالنسبة لي بدأ قبل طارق (ابني).

كنت دوماً أشعر بأن الأمومة صفة وميزة أكثر من كونها دوراً محدداً بمهام معينة، فكنت أفرح بأني أمٌ لها أفكارٌ كثيرة تعتني بها، تُغذيها بالمعرفة والقراءة، تسهر عليها ليلاً.. تجتهد في تحسينها صباحاً.. تحمل همها أينما ذهبت.. تذكرها بفخر أمام أصدقائها. هذه الأفكار بعضها تخرَّج في سن صغيرة على شكل فيلم.. ومرة إحدى الأفكار كبُرت وخرجت على شكل شهادة.. والعديد من مسارح الحياة.. المهم أنها كانت تُحبني وأحبها، وتعطيني وأعطيها.

جاء طارق وجاءت معه روحٌ جديدة، وتحديات جديدة جعلتني أُعيد التفكير في كل التعاريف والأفكار التي وضعتها.. طارق الذي جعلني طفلة وعجوزاً وصبية في آن واحد ثم قال لي: اختاري.. وفي الوقت الذي ظننتهُ حرمني كان يُعطيني!

طارق الذي أراني ما لم أكُن أراه من قبل؛ فكم مرة تساءلت: هل كان لديّ قلب قبل طارق؟ وهل كنت حقاً أُحب أمي؟ هل كُنت أفهم معنى أن يكون جسدك في مكان وقلبك في مكان آخر؟ طارق الذي تحدث في المهد. نعم، تحدث عندما أخبرني بأن زمن الهروب ولّى! زمن الاختباء وراء الحجج والمخاوف انتهى.. إنه زمن المواجهة! فكما أنني أتيت لحياتكم بمسؤوليات عظام لا يمكنكم إغفالها وتناسيها.. وهكذا باقي الحياة.. مواجهة .. بلا تراجع.. التراجع مستحيل! وليس خياراً متاحاً من الأساس!

تحدَّث عندما أخبرني بأنه لا يؤمن بالشيء ولا يفهمه حتى يختبره! (وألمه من سخونة كوب الشاي كان خير شاهد!).. لم يتحدث فقط؛ بل حمل عصا موسى وقال لقواي الخفية: انهضي. فكمية الأمور التي كنت أظن أني عاجزة عن إنجازها في وقت معين تغيرت، كم اختلفت الموازين معه!

تحدَّث عندما قال لي: أينما ذهبتِ وانتقلتِ فتذكَّري "عيوني"، فكم مرة دعوني لعشاء ما.. لطلعة أصدقاء.. لمشاهدة السينما لـ.. ولـ.. وكانت إجابتي غالباً: "لا"، ومع كل "لا" حزينة أتذكر عيونه لتصبح الـ"لا" ألف "نعم".

ومع كُل تغيير بحياتي وانحسار في أوقاتي، أتذكر عيونه.. أتذكر بريقها.. أتذكر أنها تحتاجني كما أحتاجها، مع كل هدف مؤجل وحُلمٍ مُعلق أتذكر عيون طارق، هذه العيون التي ألهمتني وجعلتني أرفض هذه التسميات: (مؤجل- مُعلَّق). هذه العيون الحالمة الدافئة جعلتني أعود لبدايات كُل شيء.. فكُل فيلم ونَص ومنتج يَصُب ويأتي من "المنبع" نفسه فأنا أجمع إدراكاتي والمعاني من كُل شخص وتجربة وأمضي في كُل الطرق وأصقُل ما أحمل من أفكار.

الفيلم مثلاً هو مغامرة طويلة ورحلة ممتلئة، كانت منصتها الأخيرة شاشة في دور السينما، أراني طارق كم سيملأ لي هذا المنبع! وكَم سيُضفي عليه من نُضجٍ ومشاعر جديدة وتجارب! وأي تجربة أغنى من طفل لا يعرف شيئاً عن هذا العالم.. وأنا من سيمسك يده تارة لأريه الكثير والكثير من الجمال، وسأطلق يده تارة ليكتشف وحده؟!

أي تجربة أجمل من أن تكون المُعلم والمُتعلم من أنقى مخلوقات الله؟! أي جمال أن تعلم وتفهم أنك رُزقت من أعظم نعم الله على الإنسان؟! فاسجد واقترب.. اقترب من طفلك من أحلامك وكُن موجوداً وحاضراً في كل مرحلة، فكُل الطرق تؤدي إلى حلمك.. كلها كلها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد