لم تكد تمضي 5 عقود على رفض صحيفة بحجم "نيويورك تايمز" نشر إعلان مدفوع الأجر لدعم نشاطات مكافحة السرطان؛ خوفاً من وقع هذه الكلمة على مسامع القراء، حتى تشجَّع عدد قليل من الكتّاب على إقحام الأدب عالم السرطان، وتطويع الكلمة لخدمة المعركة ضده، ومن ثم التأسيس للون جديد من الأدب قد تصح تسميته "أدب السرطان".
تحت هذا النوع من الأدب، تندرج رائعة جون غرين "The Fault in our Stars"، أو "الخطأ في نجومنا"، حيث اقتحم بشجاعة يُحسد عليها عالَم السرطان في مراحله المتقدمة عند فئة المراهقين، جاعلاً منهم أبطالاً لروايته.
وإذا كانت الكتابة في موضوع المرض والموت تشكل تحدياً لأي كاتب، فإن هذا التحدي يضحي أشد عندما يتعلق بشباب في مقتبل العمر، في مرحلة اصطُلِح على تسميتها "المراهقة"، حيث الانغماس في الحياة ومتعها، والتمرد على كل المسلّمات، ورفض الاعتراف بالأمر الواقع.
اختار غرين لروايته بطلين شابين مصابين بالسرطان في مراحله المتقدمة؛ ليربط بينهما بقصة حب انبعثت من بين الأنفس المحطمة والأعضاء المبتورة، حيث يُذكّر كل ما يحيط بهما بالرحيل الوشيك، وحيث الحياة تُحسب بالثواني لا بالسنوات!
وسط هذا المشهد الكئيب، تنبعث قصة حب عنيفة وصادقة بين هذين الشابين اللذين أيقنا قِصَر المسافة المتبقية إلى خط النهاية.
وقد أبدع الكاتب في الغوص عميقاً لسبر غور ما يعتلج في نفسَيْهما المتمردتيْن على الواقع، فوصَفهما لنا في كل مراحلهما؛ من الرفض إلى الاستسلام، مروراً بالفكاهة السوداء التي تخفي تحتها براكين من الغضب! كما وصف لنا الأسئلة الوُجودية التي تؤرقهما عن الحياة والخلود، والموت، وما بعد الموت، لينتهيا إلى التسليم بالقدر، والاقتناع بأن الحياة لا تُحسب بعدد السنوات التي يعيشها الإنسان؛ بل باللحظات السعيدة منها، حيث إن هناك خلوداً أكبر من خلود، وحيث يقبع في المسافة بين الصفر والواحد عدد لا متناهٍ من المنازل العشرية، هي التفاصيل الصغيرة التي تجعل للحياة متعة.
إذا كان ماركيز قد أوغل في خياله ورومانسيته، عندما اختار الخلود لبطليْه في روايته "الحب في زمن الكوليرا"؛ يجوبان النهر على ظهر قارب يحمل الراية الصفراء في رحلة أبدية- فإن غرين كان أكثر انسجاماً مع نفسه ومع الواقع، وإن كان هذا الواقع مؤلماً، وذلك عندما وضع حداً لأبدية بطليْه القصيرة، بالموت هادم اللذات.
الكثيرون قرأوا هذه الرواية، ولكن كلٌ من زاويته. أما أنا، فقرأتها دعوةً لإضفاء الطابَع الإنساني على نظرتنا للمرض والموت، ذاك الطابع الذي طالما نزعناه عنهما؛ إما بسبب شفقةٍ مبالغٍ فيها، وإما من باب الاعتياد!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.