هناك مُشكلة كبيرة في أماكن العمل، والأمر يتفاقم ويزداد سوءاً، نُعايش الآن ثقافة الفورية، فكل شيء أصبح مُتاحاً وفي مُتناول يدك: تستطيع طلب أي نوع من أنواع الطعام ليصلك حتى مكتبك، ومع لمسة زِر.. يمكنك حَجْز سيارة أجرة في دقائق لإيصالك إلى أي وجهة من اختيارك، وإن أردت معرفة أحد التواريخ المُحددة، فما عليك إلا سحب شاشة هاتفك جهة اليمين، ليس ذلك فحسب، بل يمكنك القيام بالكثير من تلك الأشياء دون التفوه بكلمة واحدة.
ورغم أن بعض التطبيقات التكنولوجية المُبتَكَرة الرائدة مثل أوبر وديليفرو حوَّلَت المشهد الاجتماعي والاقتصادي برمته، فإنها جاءت في المُقابل على حساب التواصل البشري. يُمَثِّل جيل الألفية المجموعة التي ترمز إلى ثقافتنا مجهولة الهوية، وأتحدث عن نفسي كَوْني أحد أفراد ذلك الجيل.
لا تُسيئوا فهْم ما أعنيه، فأنا على سبيل المثال، كريادي أعمال، أدعم طرح الاتفاقيات الرائدة، وتشجيع الابتكارات، ووضع المزيد من السلطة والقوة بين يدي الفرد الواحد. ومن المُتوقَّع أن يقوم جيل الألفية بتشكيل مُستقبلنا، أكثر بكثير من غيره من الأجيال التي جاءت في الآونة الأخيرة، فهُم المجموعة الأكبر التي ظهرت مُنذ جيل الطفرة السكانية. وتسببت عملية إضفاء الطابع الديمقراطي على الإنترنت في خلق ثورة لا هوادة فيها. باختصار، ثقافة الإشباع الفوري التي نعيشها، تقضي على الأجواء المُتعارف عليها لأماكن العمل.
جيل الألفية ذاك ليس على دراية بما كانت عليه الحياة قبل الإنترنت، أو الهاتف على سبيل المثال. واختفت الفضائل الرئيسية مثل الصبر والمهارات الاجتماعية وحتى الأعمال اليدوية الصعبة ذات الطراز القديم. وفي المُقابِل، ظهر شعورهم باللامُبالاه. ولكن، لا يمكن لأي قدر من التكنولوجيا أن يكون بديلاً عن الولاء والتضحية. فقد سبق والتقيت ببعض الأشخاص الذين يتركون وظائفهم دون وجود وظيفة أخرى بديلة في الأُفُق، فقط لأنهم يشعرون بالملل، بينما قابلت آخرين، ممن يُفَضِّلون الاختباء وراء رسائل البريد الإلكتروني، بينما هُم على بُعد قدمين مني، وذلك لتَجَنُّب بدء مُحادثة وتبادُل أطراف الحديث. وهناك أيضاً الخريجون الذين دخلوا إلى مكتبي، ورفضوا أي شكل من أشكال التسلسل الهرمي في مكان العمل، وهو الشيء الذي نحتاجه حتماً في أي نوع من الأعمال، مهما كان بسيطاً وسهلاً.
بدأت في عملي الخاص من غرفة نومي منذ أن كان عمري 19 عاماً، وكان علي أن أسلك الطريق الصعب كي أتعلمه، بنيت العمل عن طريق تطوير علاقات العمل، ولم يتم ذلك إلا بشق الأنفُس. وإلى الآن، تعتمد جوانب عديدة من عملي على قدرتي على إقامة علاقات عمل جديدة، وزيادة تحالفات العمل الجديدة المُجدية كذلك.
وبالنظر إلى سرعة وتيرة التغيير في المجتمع، والسرعة التي يمكن أن تسقط فيها الشركات ما بين ليلة وضُحاها، يحتاج جيل الألفية إلى التأقلُم أسرع بكثير مما فعل آباؤهم وأجدادهم يوماً ما. قد تكون لدينا ما بين 2 أو 3 مجالات من العمل على مدار عُمرنا بأكمله، وربما أكثر. كما سيكون علينا العمل لفترات أطول. ولن يتمكَّن من النجاح حينها سوى أولئك الذين يمكنهم التَكَيُّف اجتماعياً في ظل الظروف المُحيطة المثيرة، والتي قد تكون في بعض الأحيان غير مُسْتَقِرَّة كذلك. كما يجب أن تتكَيَّف توقعات الناس مع الواقع الذي نعيشه، يجب أن يعلو سقف طموحاتك بصورة شديدة، ولكن، لا تتوقَّع كل شيء في الحال.. عليك التحلّي ببعض الصبر.
في الواقع، نحن بحاجة للعودة إلى الأساسيات، فعلينا بذل المزيد من الجهد لتشجيع التفاعل البشري في أماكن العمل، كما يجب علينا مُحاولة التَخَلِّي عن استخدام البريد الإلكتروني ليومٍ واحدٍ فقط، والحد من استخدام الهواتف النقالة، ونحاول أن نجعل الأشخاص لا الإنترنت، على رأس أولوياتنا في ذلك اليوم، واعتبارهم مرجعيتنا الأولى، عند مُحاولة طرح الحلول للمشاكل المُعَقَّدَة.
ولسنا بحاجة إلى إعادة التفكير فيما نقوم به، في مكان العمل فقط. فالتغيير الزلزالي الذي حدث في التجربة السياسية منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني أننا في حاجة إلى قيام جيل الألفية بالتحدُّث علناً والإسهام في النقاشات الدائرة، أكثر من أي وقتٍ مضى. ولست أعني هنا السياسة التقليدية فقط، بل يجب أن يحدث ذلك في كل مجالات الحياة. لا يمكننا إنكار حقيقة أن التكنولوجيا تمنحنا القوّة والنفوذ للقيام بالأمور الجيدة، ولكن لا يجب أن يأتي ذلك على حساب العلاقات الشخصية أو التفاعل مع من حولنا، ذلك لأن تلك المحادثات البسيطة التي لا ضرر منها، هي التي نتعلم منها ونتطوّر لأقصى درجة، وقد حان الوقت كي يبدأ جيل الألفية في التعبير عن نفسه علناً والانخراط في المُجتمع.
هذه التدوينة مترجمة عن النسخة البريطانية لـ "هافينغتون بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.