امرأة من جينز “Jeans”

ما سر هذا الارتياح المطلق لهذا البنطال؟ هل لأنه يلبي حاجة الفقير والغني ويمتد عمراً دون أن تُبدله؟ أم أن فيه من الجمال ما يجعلنا نتعلق به، حتى نجد أحياناً بعض النساء تضع العباءة فوقهُ!

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/12 الساعة 03:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/12 الساعة 03:29 بتوقيت غرينتش

لماذا تلبس أغلب فتياتنا المسلمات بنطالَ الجينز الغربي؟ لماذا يسيطر الجينز على حياة المرأة العربية؟

وفق نظرة اجتماعية شاملة، الفقير والغني والمترَف في بلادنا يلبسون هذا القماش بشتى أنواعه، فهو يجمع بين طبقات المجتمع كافة ويوحدهم بطريقة عجيبة، فلا فرق طائفياً في بنطال الجينز، وخصوصاً فتياتنا العاملات اللاتي يلبسنهُ منذ نعومة أظفارهن، إلى الجامعة، إلى التخرج، إلى العمل، حتى وهي تُنزه أطفالها، تلبس نساؤنا هذا البنطال بحرية كاملة!

فما سر هذا الارتياح المطلق لهذا البنطال؟ هل لأنه يلبي حاجة الفقير والغني ويمتد عمراً دون أن تُبدله؟ أم أن فيه من الجمال ما يجعلنا نتعلق به، حتى نجد أحياناً بعض النساء تضع العباءة فوقهُ!

بعد بحثٍ مطول في أسرار المرأة العصرية الأنيقة والمواكِبة لتغيرات المجتمع، فإن بنطالَ الجينز يتعشقُ فينا وبكل محتويات ثقافاتنا، تتميز المرأة التي تلبس الجينز بحرية معتقداتها ولو قيدتها الظروف التي تحيط بها، فيبث في داخلها ثورة روحية على كل المعتقدات التي تقيد روحها، نجدها محجبة وتلبس بنطالَ الجينز بتناقضٍ عجيب، ما يوحي بأن في داخلها ثورة على المعتقدات الدينية التي تلزمها اجتماعياً بالحجاب وتحررها بالجينز.

يتولد الخوف في مجتمعاتنا؛ بدءاً من كبت معتقداتنا وتحويلها إلى صورٍ أخرى تتجلى بطرح أنفسنا بحضارة الجينز، تتوقف عقولنا عن التفكير، فمن أين يبدأ الخطأ؟ ولماذا هذا الخوف في نشر معتقداتنا اللادينية؟

المرأة العربية، تلك المرأة الجامحة التي تواكب الرجل بأناقة غربية إسلامية أنستها أنوثتها، فنشأ جيلٌ من الرجال يبحث عن الأُنثى فيها، ما من غرضٍ أو عيب في هذا الخليط المبتكر، وهذا المفهوم المسيطر في مجتمعاتنا، ولكن البحث في قلب هذه المرأة كيف يكون؟

في البدء، تخلى الرجل عن كرامة المرأة في سبيل التطور، وخلال عصر السرعة تأقلم الرجل مع الموضة الغربية لتتوافق مع مدخولهِ المادي ومصروف جيبه، فدخلت ثقافة الجينز مع عصر السرعة في بلادنا واجتاحت بيوتنا بسبب العبء المادي.

وكلما أسرفت المرأة في ارتدائه، كانت امرأة عملية مسؤولة ثائرة، في أزمة إنسانية مستمرة، حتى وصلنا إلى أَسفْهِ العصور التي حملت أولادنا على الهجرة ووضع جوازاتهم وأوراقهم الثبوتية في جيوب الجينز، وهاجروا في البحار؛ فمنهم من وصل ومنهم من غرق وهو يلبس الجينز.. أفكارنا عالقة بين حضاراتٍ لا تتوانى عن تهميش حضاراتنا العريقة، فمن أين تبدأ حضاراتنا؟ وأين تنتهي؟

أصبحنا خليطاً لأُممٍ لا تمت بصلة إلى حضارة الشرق الأوسط، ولا تزال يد خفية تلاعب أحداثنا وتخلط بين الأحجار وتقلّبها كما تشاء لتنشئ حجراً أصمَّ لا يُهدد عروشها. تبدأ إنهاء الإنسان العربي بتفكيك أحلامهِ وماضيهِ وحاضرهِ ومستقبلهِ، كما تُفَكَك القنبلة الموقوتة بدقة وبيد خبراء، فما الذي يخيفهم فينا؟

الإنسان هو نفسه على وجه الكرة الأرضية لا تختلف معتقداته الذاتية عن غيره أينما كان، وما صبَ في ظروفه من ديانات وانتماءات لا يلغي مبدأه الأساسي في كونه إنساناً ولدَ على الفطرة، فعندما سعى مَن سعى في تفكيك مجتمعاتنا بمبدأ فَرّق تَسُدْ "divide et impera"، لم يثبت ما ستؤول إليه هذه الأطروحة، فهي وليدة العصر الذي نعيش به والكثير ما أثبتت الأحداث عكس ما خطط لها.

المرأة مثال العصر القائم، ما أوصلنا لهذا الدمار تهميشها والتلاعب بمشاعرها الدينية والأخلاقية والاجتماعية، ومن دون سابق إنذار يعود الرجل لتسليمها زمام الأمور بعد أن أثبت فشله في قيادة هذا العصر، وبدأت تتربع على عرش الإنسانية بخفاءٍ مطلق، لتُعيد ترتيب ما أفشلهُ العطار.

فهل ينساب عطرُها الأُنثوي في هذا العالم وهي تلبس الجينز متحررة وملتزمة، قوية وضعيفة، ثائرة وحالمة، لم تتغير الأُنثى عبر العصور؛ بل تغيَّر الرجل كثيراً، وكأن العصور قامت به، حتى وصلت للتكنولوجيا والفضاء وبقي الجينز كما هو ثقافة عامة!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد