بداية الفصل الثاني من العام الدراسي حملت حقيبتي كالعادة متوجهاً إلى المدرسة لبداية حقبة جديدة ممتعة. بعض الطلاب غير مستمتعين بما هم فيه، حدثْتُ نفسي كيف لي أن أجعلهم سعداء وكيف لهم أن يحبوا المدرسة التي يرونها قد تخلفت عن ركب العالم، المدرسة التي تعني لهم الواجبات والجلوس دون حركة ولا تكلم، المدرسة التي لا تنمي مهاراتهم ولا تطور عقولهم، وهذا أتفق معهم وهو واقعُ حال لا ينكر.
إذا كان الحال هذا، ألا يوجد أمل أن نأتي إليها ونحن في غاية السعادة، قلت لنفسي: لعل شيئاً واحداً يجعلهم سعداء وأنهم محظوظون من دون كل العالم أنهم في المدرسة.
سألتهم سؤالاً واحداً: هل تخيلتم طلاباً انقطعوا عن المدرسة 3 أعوام متتالية، لم يكن الانقطاع باختيارهم ولا بإرادتهم؟
أُجبروا عن الانقطاع رغماً عنهم، انقطعوا عن المدرسة وهم في شوقٍ إليها يودون الرجوع، لما ترونه أنتم بأنه سجنٌ وأنه ضيق وأنه واجبات، أجل في كل يومٍ يسألون سؤالاً لأنفسهم: متى تنتهي الحرب لنعود إلى مدارسنا إلى أصدقائنا إلى أساتذتنا، إلى مقاعد الدراسة؟
هذه قصّة زملاء لكم في وطنكم نفسه، وربما في مدينتكم نفسها، تهيأت لكم الفرصة ولم تتهيأ لهم، خرجتم أنتم، وبقوا هم، تنامون على أصوات المعازف وينامون على أزيز الرصاص.. أجل هؤلاء مثلكم يحبون الحياة ويعشقونها، سُلِب مستقبلهم رغماً عنهم.
انتهى العام الدراسي وبدأوا بإكمال الامتحانات ويذهبون لأدائها لكي يكملوا عاماً، ويبدأوا بعامٍ آخر، انقضى اليوم الأول والثاني والثالث، ولم يكن في حسبانهم أن اليوم الرابع سيأتي ولكن بشكل مختلف جدّاً، سيولد اليوم الرابع ولكن بوجهٍ جديد، يفتح معه سنين القهر والظلم والجهل.
أجل، اليوم الرابع، ابقوا في حجراتكم، لا تخرجوا من بيوتكم، ابحثوا عن آمن مكان فيه.. أجل، الامتحان الرابع سيتأخر كثيراً، اطووا كتبكم وانجوا بأنفسكم. اليوم الرابع، لم يحملوا كتاباً، ذاهبين إلى المدرسة، اليوم الرابع حاملين حقائبهم فيها ما خفّ من المتاع، لكي يبدأوا حياة الحرب.
طلابي الأعزاء، تخيلتم هذا، هنا بدأت ملامح الضجر على وجوه طلابي الذين أحاول أن يكون منهم نبراس للحياة، هنا بدأوا يشعرون بحجم النعمة التي هم فيها.
قلت لهم: ستسألون أصدقاء لكم هم أسنّ منكم، تقدمتم عليهم في الدراسة، أو سترونهم يجلسون معكم في المقعد نفسه، وهم قد فاتهم الكثير، ولم يفتكم شيء مما فاتهم.
لم يكن هؤلاء الطلاب ضعيفي الذكاء ولم يكونوا غير مبالين بواجباتهم، ولكنها الحرب أبت إلا أن تأتي إليهم على حين غفلة منهم، فجعلتهم بدل حمل الحقائب حملوا هم الحرب.
أجل طلابي، ها نحن نبدأ الفصل الثاني من العام الدراسي، لنكن احرص على العلم والتعلم، ولنفكر في هؤلاء الأصدقاء هناك في مدن الحرب، كيف نقدم لهم المساعدة، كيف نعينهم على تجاوز المحنة لنجعلها لهم منحة، كيف سيتجاوزون أصدقاءهم الذين سقطوا ضحايا المعارك التي دارت بين أزقتهم! كيف سيذهب الطالب الذي فقد عائلته جميعها وذهب للمدرسة بمفرده!
كيف سيتخيل الطلاب المدرسة من دون مدرسهم الذين يحبونه كثيراً لكنه للأسف سقط شهيداً في الحرب!
بعد كل هذا يا أصدقائي الطلاب، سنبقى نحن في مكانٍ هو حلمٌ لأناس آخرين قد حُرموا منه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.