يفرز العالم ما بين 3.4 و4 مليارات طن من الفضلات سنوياً يمكن إعادة تدويرها جميعاً باستثناء فضلات الأكل وهو ما يسبب مشكلة أساسية لدى جميع الدول، كما أن فضلات الأكل تعتبر مصدر جذب للذباب وهو ما يسبب قلقاً متزايداً لما يمكن أن يسببه هذا الأخير من أمراض، لكنّ محمد قصتلي وسيرين شعلالة "زوجان تونسيان" تمكنا أخيراً من حل هذه المعادلة الصعبة، وهي "كيف يمكن الاستفادة من الفضلات باستعمال الذباب الذي يستهلكها لإنتاج بروتين يمكن إطعامه للحيوانات"، قبل هذا الوقت بدأت في أوروبا حركات للتشجيع على استغلال الحشرات كمادة غذائية للإنسان لما توفره من بروتين وعلف للحيوان من خلال "المنصة الدولية للحشرات من أجل العلف والغذاء"، التي تؤكد أن العالم في مواجهة تحدٍّ صعب بسبب ارتفاع عدد السكان الذي من المرجح أن يصل إلى 9 مليارات نسمة في غضون سنة 2030، في مقابل انحسار الموارد ما يجعل الحشرات حلاً مستقبلياً.
كيف ولدت فكرة المشروع
كانت سيرين شعلالة -أحد مؤسسي شركة ناكست بروتين- تعمل بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في عام 2013، عندما تم إرسالها إلى مدغشقر في إطار مشروع لمقاومة الجراد، بعد أن تسبب في إتلاف كميات هائلة من المحاصيل هناك، نتج عن ذلك بوادر مجاعة في بعض المناطق في بنغلاديش.
" كنت برفقة زوجتي بمدغشقر، وكنت أستغرب من هذه المعادلة المحزنة، فمن ناحية هناك كميات هائلة من الجراد، ومن ناحية أخرى يعاني الشعب الملغاشي من المجاعة، وهناك طرحنا سؤالاً مهماً لماذا لا يتم استخدام الحشرات لإنتاج البروتين واستعماله كعلف للحيوانات الأليفة؟"، يتحدث محمد قصتلي، واصفاً الوضع في بنغلاديش.
درس محمد في تونس إلى حدود سنة 2000، وسافر إلى فرنسا لاستكمال المرحلة الثالثة، إلى أن تخرج بعد ذلك ليصبح مهندساً في تخصص الكيمياء قبل أن يرافق زوجته إلى بنغلاديش.
بعد العودة من بنغلاديش إلى فرنسا سارع محمد وسيرين إلى بلورة الفكرة ثم وقع الاختيار على تونس لإنشاء شركة صغيرة، ويعلل محمد اختياره لتونس قائلاً: "في المقارنة بين تونس وفرنسا وجدنا أنه في حال تم بعث المشروع في تونس سيكون أقل تكلفة بسبب التشجيعات التي ترصدها الدولة لباعثي المشاريع، إضافة إلى أنني أمتلك قطعة أرض صغيرة في معتمدية بني خيار من محافظة نابل، وهو ما شجعنا أكثر، لكن في المقابل تمكنا من إنشاء شركة صغيرة في فرنسا تُعنى بالبحوث والتطوير"، بعد إنشاء مركز البحوث بدأ الزوجان في مرحلة الإنتاج.
اليوم وصل المشروع إلى إنتاج ما يعادل 500 ألف ذبابة يومياً، وكل ذبابة تبيض ما بين 500 و1000 يرقة، وهو ما يجعل العدد يصل إلى أكثر من 500 مليون ذبابة، كل هذا العدد الضخم يقع إنتاجه في أقل من 300 متر مربع، الحشرات هي الحل حسب منظمة الفاو.
في سنة 2013 أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة تقريراً بعنوان "دور الحشرات في الأمن الغذائي من خلال الإعاشة والبيئة"، أكدت فيه أن أكثر من 2 مليار شخص يستهلكون الحشرات بصفة غير مباشرة أو تعتبر الحشرات مكملاً لغذائهم، كما يعتبر التقرير أن الحشرات هي الحل للانفجار السكاني الذي يشهده العالم، وأن "واحداً من بين بعض الحلول التي يمكن بها مجابهة مشكلات الأمن الغذائي للإنسان والحيوان هو تربية الحشرات؛ لأنه يمكن إيجادها في كل مكان، إضافة إلى أنها تتكاثر بسرعة"، كما أنه يوجد أكثر من 1900 نوع من الحشرات يتم استهلاكها في العالم من بينها الخنافس، والنحل، والنمل، والجراد، واليعسوب والذباب وغيرها.
حسب الجمعية الدولية لتغذية الحيوان، وصل إنتاج الأعلاف في سنة 2010 إلى أكثر من 720 مليون طن، وتعتبر الحشرات من أهم المكملات الغذائية للحيوانات، وتتكون الأعلاف في نسبة كبيرة منها من نوع معين من الذباب يسمى الذباب الجندي.
لماذا وقع الاختيار على "الذباب الجندي"؟
يقول محمد: "فكرنا في استخدام الجراد في بادئ الأمر لإنتاج البروتين، لكن وقع استبعاده بعد ذلك بسبب حجمه وطول دورته الحياتية، التي تصل في بعض الأحيان إلى ثلاثة أشهر، بعد ذلك وقع اختيارنا على الذباب الجندي، أحد أهم أنواع الذباب التي لا تشكل أي ضرر للإنسان، إضافة إلى أن دورته الحياتية تدوم ما بين أسبوعين وثلاثة أسابيع، هذا بالإضافة إلى أنه يمتلك خاصية مهمة، وهي أنه يكتفي بالشرب ولا يأكل".
ويعتبر الذباب الجندي أحد أهم أنواع الحشرات المستهلكة للمواد العضوية، يعيش في الأرض منذ أكثر من 250 مليون سنة، لا يلدغ ولا ينقل أية أمراض، تعيش ذكور الذباب الجندي فقط لأيام قليلة تتزاوج فيها، فيما تبيض أنثى الذباب الجندي ما معدله 800 بيضة في كل عملية تزاوج، كما أنه يحتاج فقط للماء ولا يحتاج للأكل؛ لأنه يعود إلى اجترار احتياطيات الدهون المخزنة خلال مرحلة اليرقات. يرقات الذباب الجندي قادرة على استهلاك أكثر من 70 بالمائة من الفضلات وامتصاص روائح الفضلات العضوية، ما يجعلها صديقة للبيئة، وتمر بـ6 مراحل وتحتاج ما بين 14 و22 يوماً لاستكمال جميع هذه المراحل.
طموحات محمد وسيرين
تمكن محمد وسيرين من تكوين شركة باسم "ناكست بروتين" في فرنسا، وتحديداً في أورصاي، كما تمكنا من جمع أكثر من 1.3 مليون يورو بعد إطلاقهم لحملة لتمويل المشروع، شارك فيها كثير من المستثمرين من فرنسا وتونس والولايات المتحدة، ويأمل محمد في تطوير المشروع في قادم الأيام "تبلغ مساحة الأرض التي يقبع عليها المشروع 300 متر مربع، ننتج من خلالها ما يقارب 30 كلغ يومياً، ونأمل في قادم الأيام الانتقال إلى مكان جديد تبلغ مساحته ما يقارب 2500 متر مربع، وهو ما يمكننا من بلوغ معدل إنتاج يصل إلى 1 طن سنوياً"، يتحدث محمد عن مشاريعهما المستقبلية، كما أسس محمد قصتلي وسيرين شعلالة مركزاً للبحث والتطوير في فرنسا، إضافة إلى الدخول في شراكات مع جامعات تونسية وتوظيف العشرات.
تعيش اليرقات لمدة 3 أسابيع على الأكثر، ثم تموت، بعد الغربلة، تنتج خليطاً من روث اليرقات والمواد العضوية ثمنه 100 يورو للكلغ الواحد، فيما تصبح اليرقات بعد ذلك أسمدة، ثمن الطن الواحد منها 1000 يورو، وهو ما يثبت فاعلية المشروع ومردوديته الضخمة.
في معرض حديثه عن إمكانيات التسويق، قال محمد: "لم نصل إلى الآن إلى مرحلة التسويق؛ لأن قدرة المشروع على الإنتاج ضعيفة، ولقد حددنا هدفاً هو أننا لن نبدأ التسويق قبل الوصول إلى قدرة إنتاج تتراوح بين 1000 و5000 طن سنوياً".
تحتوي تونس على أكثر من 630 ألف عاطل عن العمل بنسبة 15.4 بالمائة في أواخر سنة 2016، فيما بدأت حركة نشيطة من الدولة والمجتمع المدني في السنوات الأخيرة للتشجيع على المبادرة الخاصة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مصادر المقال:
– مقابلة مع محمد قصتلي صاحب المشروع.
– موقع شركة "ناكست بروتين".
– موقع شركة "الجندي الأخضر".
– تقرير منظمة الفاو العالمية.
– موقع المنصة الدولية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.