أماندا قفزت إليَّ من القبر

هاتفتك واستسلمت لنحيبي، نحيب الطفل الصغير، صوتك كان هادئاً ككل مرة، وسألتني عن أحوالي وملابسي، هل أطويها، وعن أدويتي. لقد كنت بلا تغيير وأنا كنت غارقاً في النسيان، نسيت معك نفسي، لأنني منذ خصامنا الكبير بقيت هناك واقفاً، حيث افترقن

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/02 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/02 الساعة 10:21 بتوقيت غرينتش

هذا المساء سأشرب قهوة أخرى، سأواصل الكتابة بلا هوادة، سأكتب بشراسة كأنني أكتب وصيتي الأخيرة والملاك الأرجواني ورائي يستعجلني للرحيل..
طوال الليل كتبت، شربت فناجين قهوة كثيرة، بقطعة سكر واحدة، هي أنتِ. عندما لاحت خيوط الفجر الفضية، كنت منهكاً، وعيناي متورمتان من السهر. استلقيت في فراشي تفوح مني رائحة التعب، لم أرغب أبداً في النوم، كانت عندي فقط رغبة ملحة في مجاورة البحر.

ارتديت ملابس ثقيلة، وأخذت مفاتيح السيارة، وعلبة سجائري، وقدت ببطء شديد كالمسَرْنم في الشوارع الفسيحة. أمام البحر شعرت بالرضا. شعرت ببدايات النعاس تأتيني مع كل موجة تخرج من الأعماق وتتكسر أمامي، شعرت بالرغبة في الاتصال بها، وسماع صوتها، صوتها القادم من أعماق النسيان، لم أتصل، وقررت العودة لمواصلة الكتابة كنوع من تعذيب الذات.

سأكتب لك بكل الخوف الذي يعتريني، ذلك الخوف الذي يصيبني كلما بدأت بالكلام وأنت تواجهينني، وجهك الذي يعتريني وأنت تجلسين أمامي وتبتسمين. تشجعينني على المضي قدماً في تلعثمي وفي قول الأكاذيب لك، في الحقيقة أنا لا أريد الكلام، ما يدفعني للنطق هو خشية أن يكون لصمتي معنى آخر غير اشتياقي لك، أن تظني أنني جامد وبارد. أعرف أنك تشاهدينني من داخلي لأنك بداخلي، ووجهك الهادئ يزيد من اضطرابي. وجهك السلام، وجه أمي وهي تناغيني لأنام. أنا أرفض أن أكون طفلاً، لذلك سأجعل ملامحي تكفهر قليلاً، سأنادي على النادل بصلافة البدو، سأوبخه لماذا أحضر فنجانَي قهوة، وأنا طلبت فنجان قهوة وعصير الليمون بالفراولة الذي تحبين. سأنظر إلى السماء ضجراً، وأنت ستعتذرين للنادل وتقرصين فخذي. كانت حيلة فاشلة مني للهروب من مشاعري، كلفتني ما تبقى من 100 درهم كبقشيش منحته رغماً عني للنادل المسكين. أتذكرين..

أماندا حبيبتي، أكتب لأستريح، أستريح لأن من موبقات الحياة أن سنوات عمرنا القليلة لا تكفينا لنقبض على الحب الذي نريده، أما الحب الموجع الذي يريدنا فلا نعيره اهتماماً حتى يفوت الأوان. أنت من البداية قبضت على ضعفي، كان هروبي منك مستحيلاً، في آخر مرة تخاصمنا على من كسر جرة الورد. أتذكرين.. ثم تعاتبنا على أخطائنا الصغيرة، وتعالى خصامنا، وسمعته العائلة، والجيران. قلَّ حياؤنا وذهب كل واحد منا لحال سبيله، مرت ثلاثة أشهر، في الشهر الرابع كنت على وشك الانهيار.

هاتفتك واستسلمت لنحيبي، نحيب الطفل الصغير، صوتك كان هادئاً ككل مرة، وسألتني عن أحوالي وملابسي، هل أطويها، وعن أدويتي. لقد كنت بلا تغيير وأنا كنت غارقاً في النسيان، نسيت معك نفسي، لأنني منذ خصامنا الكبير بقيت هناك واقفاً، حيث افترقنا، ومن ذهب لحال سبيله لست أنا، حججي في النسيان لم تقنعني.

قضيت ثلاثة أشهر أرصع أحجاراً كريمة من الأعذار أنك ابنة شمطاء ماهرة في التخفي وسرقت روحي. تلك الضامرة تستغلني. في العالم ألف مثلها، تلك الحجج الملحية ذابت دفعة واحدة، تحت مطرك الدافق الحلو، ورجوتك أن نلتقي هناك مجدداً في نفس المكان، في نفس المكان الذي لم أغادره قط.

من فظاعات حبي أنني الحمار الوحشي الذي يقع بسهولة في قبضة اللبوءة الحنونة، لكم راودتني هلاوس الغياب، وكنت أبحث عن عطر لحمك الشهي. في لحظات اشتياقي تعلمت أن أشمك من اللاشيء، لقد شممتك فعلاً في الهواء، وفي اللاهواء، في نومي شممتك أيضاً، شاهدتك تقفزين أمامي بلباسك الأحمر من القبر، صدقيني لقد شممت رائحة لحمك الندي.
أماندا، الآن ماتت، وأصبحت عصية على النسيان.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد