هل نثبت صحة الإسلام من خلال النسبة الذهبية للكعبة؟!

والآن مع اكتشاف العلماء لسبعة كواكب شبيهة بالأرض لا يُستغرب أن يخرج أحدهم في هذا المجال ويأتي بآية أو حديث يطبقها على هذا الاكتشاف ليقول لنا ذُكرت في القرآن قبل 1400 عام، وهذا دليل على صحة الإسلام!

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/01 الساعة 04:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/01 الساعة 04:17 بتوقيت غرينتش

الكعبة بيت الله الحرام، وقِبلة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم على سطح الأرض، أفئدة من الناس تهوي لها كل عام؛ لتطوف بالبيت العتيق، تقف الجموع حولها ابتهالاً وتضرعاً لرب العالمين، تمتلئ النفوس مهابة وتعظيماً لرؤيتها هذا على التلفاز، فكيف بمن زارها وبكى على جدرانها وقبَّل حجرها وشرب من زمزمها وطاف حولها سبعاً ملبياً ومكبراً رب العباد؟

وقد جرت العادة في السابق أن يتحدث البعض عن هذا المكان المقدس للمسلمين وعن توسطه للكرة الأرضية، وقد تم تفنيد هذا الأمر مرات كثيرة، ولكن لا يزال بعض الناس يروجون له حتى الآن، قبل أن يطالعنا أحد المواقع العربية منذ أيام بطرح موضوع النسبية الذهبية لموقع الكعبة، وحتى هنا لا مشكلة فلا مانع من نشر دراسة أو بحث عن هذا الموضوع وطرحه للمناقشة والتحليل من قِبل أصحاب الاختصاص من الجغرافيين والطوبوغرافيين والفيزيائيين حول العالم، ولكن المشكلة تقع عندما يبدأ هذا الموضوع بالانتشار كالنار بالهشيم، ويصبح عرضة للأخذ والرد والتناقل بين الناس، ووصل الأمر بالبعض بطرحه كدليل على صحة الإسلام عامة!

وأنا هنا بالطبع لا أنفي أو أؤكد صحة النسبية الذهبية للكعبة، فقد يكون الأمر صحيحاً وقد لا يكون، ولن أتحدث هنا عن النسبة الذهبية فقد أشُبع الموضوع بحثاً، وهناك عشرات المقالات التي تشرح ما هي النسبة الذهبية مع رسومات وتوضيحات، ولكنني أريد هنا أن أطرح سؤالين في هذا المجال:
هل المسلمون يحتاجون لمثل هذه الأدلة للتثبت والتأكد من دينهم؟
ولماذا يحاول البعض إلصاق كل شيء بالإعجاز العلمي؟
أولاً: المسلمون عامة ليسوا بحاجة للنسبة الذهبية أو غيرها من هذه الأمور لإثبات صحة دينهم، فالإيمان في الإسلام كالإيمان بالله وملائكته وكذلك النار والجنة والثواب والعقاب في يوم القيامة، كلها أمور غيبية لم يطلع عليها أحد، وبالطبع هذا الإيمان ليس إيماناً أعمى أو لأن الشخص وُلد لأبوين مسلمين، بل على العكس تماماً فالقرآن يذم هذا الأمر في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى "قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"، وقال تعالى: "وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون"، إذا الإسلام ينكر الاتباع والتقليد الأعمى، فإيمان المسلم صحيحٌ أنه بأمور غيبية، ولكنه مبنيٌ على مقدمات منطقية وعقلية توصل إلى الله تعالى وتدبر لآياته وفعله في الكون وتفكر في أسئلة مصيرية للإنسان:
من أين جئنا إلى هذه الأرض؟
ولماذا جئنا إليها؟
وبعد ذلك إلى أين المسير بعد الموت؟
وبعد هذا إثبات لنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصدق رسالته من خلال قراءة سيرته ومعرفة أفعاله، وقراءة القرآن الكريم الذي جاء به هذا النبي وتدبر آياته والذي نُقل إلينا نقلاً بالتواتر، وحين هذا ينغرس الإيمان في قلب الإنسان ويشعر بوجود الله ومراقبته ويتحقق الإيمان قولاً وفعلاً.
ثانياً: باعتقادي أن موضوع النسبة الذهبية وما يشابهها من هذه المواضيع التي تحاول الربط بين العلم والدين من خلال بعض الأشياء التي ما أنزل الله بها من سلطان عن طريق الكذب والتلفيق هو أمر يقوم البعض به عن سابق الإصرار وعن قصد منهم، فمن ناحية تتم إشاعة أمور غير علمية وغير منطقية وترويجها بين بسطاء الناس بهدف نشر الجهل والتخلف بينهم، ومن ناحية أخرى يتم إظهار المسلمين أمام غيرهم من الديانات والشعوب الأخرى مظهر الجهلة الذين يأخذون الأمور دون دراسة علمية يقوم بها باحثون متخصصون في هذا الأمر فقط لأن إحدى القنوات أو المواقع روج لمثل هذه الأفكار التي تؤيد دينهم!

وهنا لا بد أيضاً من الإشارة إلى أنه يحدث أحياناً أن يكتشف العلماء اكتشافاً جديداً في أحد مجالات العلم، فيأتي أحدهم ليفسر آية أو حديثاً ويطبقها بعد ذلك على هذا الاكتشاف؛ ليخرج علماء آخرون بعد فترة لينقضوا هذا الاكتشاف ويتكلموا بما يعاكسه، وهنا كيف يكون الموقف لهذا المفسر لهذه الآيات والأحاديث؟

فقد لا يفهم البعض أن هذا اجتهاد قد يخطئ وقد يصيب، وتبدأ حينها حملات الطعن في الدين من قِبل من يتلقفون أي شيء للإساءة للإسلام والمسلمين.

لم يعد من بد سوى الوقوف بوجه هذه الدعوات التي باعتقادي تهدف إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وخصوصاً من بعض مَن يتحدثون في مجال الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، والذين يقومون بإنزال الآيات والأحاديث على ظواهر علمية وطبيعية معينة قد لا يكون المقصود فيها الإشارة إلى هذه الظواهر، ثم يؤخذ كلام هؤلاء المفسرين، وخصوصاً الذين يتكلمون في مواضيع الإعجاز العلمي، ويتناقله الناس كأنه أمر مقطوع فيه، ومن أساسيات الدين الإسلامي!

والآن مع اكتشاف العلماء لسبعة كواكب شبيهة بالأرض لا يُستغرب أن يخرج أحدهم في هذا المجال ويأتي بآية أو حديث يطبقها على هذا الاكتشاف ليقول لنا ذُكرت في القرآن قبل 1400 عام، وهذا دليل على صحة الإسلام!

نعم توجد آيات وأحاديث تتنبأ بأحداث المستقبل وتتحدث عن بعض مظاهر الكون، ولكن أساس المشكلة عندما يأخذ البعض على عاتقه تفسير أي آية أو حديث وإنزاله على الظواهر العلمية والكونية المكتشفة حديثاً، وقد لا يكون المراد من هذه الآيات والأحاديث ذكر هذه الظواهر.

وفي النهاية لمواجهة هذه الدعوات التي تعمل على نشر الجهل بين المسلمين بطريقة مقصودة للإساءة إليهم ولدينهم، لا بد من التذكير دائماً بما وقع عند وفاة إبراهيم، ابن النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث جاء في البخاري أنه عندما انكسفت الشمس يوم وفاة إبراهيم، قال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته"، وهذه من دلائل صدق النبوة؛ حيث كان يمكن للنبي -صلى الله عليه وسلم- الاستثمار في هذا الأمر أمام الناس لو كانت دعوته كاذبة (حاشاه)، ولكن أراد أن يعلم الناس أن ينزلوا الأشياء في موضعها، فلا رابط بين وفاة ابنه وبين كسوف الشمس، وكذلك الأمر في النسبة الذهبية للكعبة، فلا رابط بينها وبين صحة الإسلام والتثبت منه؛ لأن هذا الأمر قد ثبت منذ زمن بالطرق العقلية والاستدلالات المنطقية التي تدل على صحة هذا الدين على الأقل بالنسبة للمسلمين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد