إلى العتوم.. رسالةٌ وحب

لم يفارقني الكتاب على مدار ثلاثة أيام، حتى لاصق يديّ وأخذ من قلبي قُبلاً حتى ثمل، ولامس روحي حد الالتصاق، هذا زادَ من تشكل الرعشة وانتقالها من القاع إلى الأطراف ووضوحها أثناء القراءة والتنقل بين الصفحات، حتى هدأت بي الحال عند الصفحة الثانية والسبعين

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/01 الساعة 02:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/01 الساعة 02:57 بتوقيت غرينتش

برعشةِ الخوف ذاتها، وبتلكَ الرعدة المتأصلة في أعماقي، تناولتُ الهدية، وحيرة الحضور المفاجئ لهذه الرعشة يتملكني، ورغماً عن هذا تجاوزت المغلفَ ومزقت ورق الهدية، وما إن نظرتها حتى اتضح سبب ما انتابني، كتابك الأخير أو اسمكَ بكل جلاله "أيمن العتوم".

لا أعلم كيفَ نشأت هذه الحالة الشعورية في أعماقي، وكيفَ ولد الخوف من أن أغرقَ في كُتب العظماءِ وحروفهم، احترت بحثاً عن الأسباب، حتى استقر بي التنقيب أن رهبةَ الحرفِ في سطورهم ستدفعني لأهجرَ قلمي وأرحل عن صفحاتي حتى إشعار آخر، وهنا تبرز أنانيتي وتتضح فأنا لن أقبلَ بالهجران هذا وإن كان به نفع أو فائدة في لحظة ما.

وعلى هذا فإن الكثيرين ممن هم حولي يعتريهم الاستغراب من عدم مجاورتي لكتب الرافعي، ومن الصوم عن مخطوطات المتنبي، ومن الإسهاب في تقليب صفحات رواياتكَ وكتبكَ.

لكنني أرى أن الأمر بات مختلفاً الآن مع "كلمة الله" فقد شكلت الخندق الأول الذي وضعني في مواجهة مباشرة مع قلقي، والتجرؤ الأول على كل رعشةٍ أو مرض قابع في تلافيف قاعي.

لم يفارقني الكتاب على مدار ثلاثة أيام، حتى لاصق يديّ وأخذ من قلبي قُبلاً حتى ثمل، ولامس روحي حد الالتصاق، هذا زادَ من تشكل الرعشة وانتقالها من القاع إلى الأطراف ووضوحها أثناء القراءة والتنقل بين الصفحات، حتى هدأت بي الحال عند الصفحة الثانية والسبعين التي جمّدتْ عبارتها الرئيسية كل النبضِ في عروقي، أجبرتني حروفها على أن أُنزلَ كل رحالي مستوطناً الفراغَ بينَ العبارة الأولى والسطر الذي يليها، فسكنتُ كالفاقد أمام العظمة الروحية للمقال ودهشة الحرف، فقد كتبَ حرفكَ بقداسةِ الماءِ الملكوتي "الحبُ إرادةُ الله التي لا تُرد"، ومصادفةُ الحرفِ كانت صادمةً لي فقد غمستُ قلمي وكتبتُ عن الحبِ علّ تفقهاً به يصيبني أو علماً به أنقله إلى الآخرين، لكن مرةً واحدةً لم أستطِع أن أرى ما رأيتهُ في عبارتكَ.

حتى دقتْ مسمارها في قلبٍ يغرقُ في الإمعان دون الوصول إلى عمق المعنى ومداه الأقصى، دقتْ لتَصلُبَ كل حروفي، فكان عليّ أن أقف لأتكئ هزالةَ الامتزاج بيني وبين الحرف، وأنظرَ بإشفاقٍ على كل سطر قد كتبتُ، الحبر سال من دواتي ولم ينضج بإطلاق المعنى أو نسبيته.

تراجعت خطوةً لأعيدَ النظرَ بكل ما دونتُ، وأسبغتُ على قلبي من معاني عبارتكَ ما أُدثرَ بهِ ضعفي وما يقوي صمودي أمام القادم من كلام في كتابكَ أو صفحات كُتبكَ الأخرى.

الحبُ هو الإرادة المطلقةُ لله، هو علّة الخلق وسره، فكيفَ له أن يُرد؟
وهو أمره للقلوب أن تتعانق، وللأرواح أن تنغمسَ فلا تنطفئ، الحبُ هو الإطلاق الأوحد على وجه هذه الأرض، وهو ذرةُ الكون الأولى وعظمتها التي مُنحت من الله للروح البشرية.

أكتبُ لكَ وما زالت روحي تقفُ عندَ عتبةِ الصفحة الثانية والسبعين أنهلُ من أريجها ومدى الكلمات الأولى فيها، وأغتسلُ لأبرأ من ذنبي في عدم الاقتراب من كتب العظماءِ لأستوطنَ الصدى والمعنى وأغرفَ من ضدهِ وعبقهِ.
أعتذر منكَ فاقبلني تلميذاً لديكَ.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد